كتب الكثير عن شخصية الأديب الشاعر الفنان محمود بيرم التونسي باعتبار المكانة التي احتلها في الادب التونسي والعربي المعاصر عموما، ولتعدد مواهبه في مجالات الكتابة والازجال والاغاني والمسرحيات والمقامات والاغاني والسيناريوهات والمقالات الصحفية بمختلف انماطها غير أن ما كتب حوله وحول انتاجه الأدبي أقتصر فيه على فترة اقامته بمصر التي تشتغل على مرحلتين من حياته، مرحلة الشباب المبكر، ومرحلة الشيخوخة المتقدمة، أما مرحلة كهولته تمتد نحو عشرين سنة (1919-1938) فما تزال مجهولة في معظم جوانبها لأن بيرم قضاها خارج مصر بعد ان صدر قرار سياسي بإبعاده عنها. وقد تسبب وقد انقسمت هذه المرحلة المهمة إلى ثلاثة أقسام، منها ثلاث عشرة سنة قضاها مطاردا بين مدن فرنسا المختلفة، مرسيليا وليون وغيرها وخمس سنوات أقام خلالها في تونس وسنتان قضاهما ببلاد الشام بين سوريا ولبنان.
ولد محمود بيرم التونسي في الإسكندرية في 3 مارس 1893، وسمي تونسي لأن جده لأبيه كان تونسيا، وقد عاش طفولته في حي شعبي يسمى (السيالة) التحق بكتاب الشيخ جاد الله فكره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده الى المعهد الديني وكان مقره مسجد أبي العباس، مات والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، فانقطع عن المعهد وارتد إلى دكان ابيه ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين.
كان محمود بيرم التونسي ذكيا يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية، فهو يقرأ ويهضم ما يقرأه في قدرة عجيبة، بدأت شهرته عندما كتب قصيدة (فائع الفجل) التي ينتقد فيها المجلس البلدي بالإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فأطلق في طريقها ودخلها من أوسع أبوابها.
في عام 19ا19 أصدر مجلة ّ(المسلة) وبعد اغلاقها أصدر مجلة الخازوق، ولك يكن حظها بأحسن من حظ (المسلة)، نفي الى تونس بسبب مقالة هاجم فيها زوج الاميرة (فوقية) ابنة الملك فؤاد ولكنه لم يطق العيش في تونس فهاجر الى فرنسا يعمل حمالا في ميناء مرسيليا لمدة سنتين، وبعها استطاع أن يزور جواز سفره ليعود به الى مصر، فيعود الى أزجاله النارية التي ينتقد فيها السلطة والاستعمال آنذاك، لكن اقي عليه القبض لتنفيه السلطة الى فرنسا ويعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية وبعد مدة فصل من عمله بسبب مرض أصابه فيعيش حياة ضنكا ويواجه أياما قاسية ملؤها الجوع والتشرد، ورغم قسوة ظروف الحياة استمر بيرم في كتابة أزجاله وهو بعيد عن ارض الوطن، فقد كان يشعر بمعاناة شعبه وفقره المدقع. في عام 1932 تم ترحيل محمود بيرم التونسي من فرنسا الى تونس لأن السلطات الفرنسية قامت بترحيل الأجانب فاخذ بيرم يتنقل بين سوريا ولبنان ولكن السلطات الفرنسية قررت ابعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة الى احدى الدول الافريقية .
ولكن القدر يعيد بيرم الى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تقله بميناء (بورسعيد) فيقف بيرم حزينا باكيا وهو يري مدينو بورسعيد من بعيد ن فيصادف أحد الركاب ليحكي له بيرم قصته فيعرض عليه هذا الشخص النزول في مدينة بورسعيد، وبالفعل استطاع هذا الرجل أن يجاوز به أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر. بعدما اسرع بيرم لملاقاة أهله واسرته، ثم يقدم التماسا الى القصر بواسطة أحدهم فيعفى عنه ذلك بعد ان تربع الملك فاروق على عرش مصر.
عمل كاتبا في اخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة المصري ثم نجح بيرم في الحصور على الجنسية المصرية فيذهب للعمل في جريدة الجمهورية، وقد قدم بيرم أعمالا أدبية مشهورة وقد كان اغلبها أعمالا إذاعية منها (سيرة الظاهر بيبرس) و (عزيزة ويونس) وفي عام 1960 يمنحه الرئيس جمال عبد الناصر الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الادب لكن مرض الربو وثقل السنين يتمكنا من شاعرنا ليتوفاه الله في 5 يناير 1961، عن عمر ناهز 69 سنة. غنت له أم كلثوم عدة قصائد مما ساعد على انتشاره في جميع الأقطار العربية. ظل بيرم التونسي الى آخر نفس في حياته من حملة الأقلام الحرة الجريئة وأصحاب الكلمات المضيئة. رحم ال الله محمود بيرم التونسي.
0 تعليق على موضوع : الأديب الشاعر محمود بيرم التونسي - نفاه الملك بقرار سياسي - غنت له أم كلثوم أحسن قصائده - محطات في حياة فنان
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات