بدأ العزف على القانون في سن السابعة واحترفه في الثانية عشرة حقق شهرة كبيرة - مات على مائدة الطعام - ما لا تعرفه عن عازف القانون محمد عبده صالح

سيدة الغناء العربي لم تكن تسمح بالتقاسيم المنفردة وسط أغنياتها إلا لثلاثة عازفين:

محمد القصبجي على العود

محمد عبده صالح على القانون

احمد الحفناوي على الكمان

ولد محمد عبده صالح في القاهرة سنة 1912، وقد انحدر من أسرة عشقت الفن أبا عن جد كان جده (النباتي) الخاص بالسلطان عبد الحميد، وكان والده "نباتيا" مع عبده الحمولي ومحمد عثمان رغم أنه يحمل شهادة "العالمية" من الأزهر الشريف.

وقد تفتحت عيناه على جلسات الفن بين والده والشيخ سيد درويش. كان يمضيان في دراسة الموشحات القديمة وترديدها، فعشق الفن وفي أولى مراحله الدراسية، استحضر قطعة خشب وقطعة سلك ومجموعة من المسامير وصنع لنفسه قانونا صغيرا وحاول والده أن يبعده عن الفنن فلم يستطع خصوصا بعد أن عزف أمام النابي وهو في السابعة من عمره ولاقى نجاحا كبيرا وامتلأت جيوبه بالجنيهات الذهبية.

ولما وجده والده مصمما على ترك الدراسة والعزف على القانون، نصحه أن يدرس الموسيقى فتعلم البشارف والسماعيات، وقد أقيم أول حفل اشترك في احيائه بنقابة الموسيقيين، وفي هذا الحفل قامت مناظرة بينه وبن المرحوم محمد سالم عازف القانون، وكان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 12 سنة، وانتهت المناظرة باحترافه الفن، فعمل مع سيد درويش، وعبد الله الخولي، أحمد ادريس وصالح عبد الحي، ومحمد عبد الوهاب.

كان لقاءه بأم كلثوم سنة 1926 في بيت السيد امين الهدى الذي كان حجة مصر في العزف على العود، وكانت ام كلثوم تذهب الى هذا البيت مع ابن عمها ووالدها وأخيها وكانت أم كلثوم وقتها تغني على تخت محمد العقاد وتوفي العقاد الكبير فعملت مع تخت إبراهيم العريان.

وفي سنة 1929 حدث خلاف بينها وبين إبراهيم العريان فطلبت من محمد عبده صالح أن يعمل معها وكانت قد سمعته عند أمين المهدي، وأول حفل له معها كان على مسرح سينما فؤاد – مكان عمارة الجندول بشارع 26 يوليو الأن، في تلك الليلة غنت ام كلثوم (آه يا سلام) و (هو ده يخلص من الله) و(ليه عزيز قلبي تذله).

بدأ محمد عبده صالح حياته الفنية مع ظهور كل من محمد عبد الوهاب وام كلثوم ويبدو أنه ظل فترة غير قصيرة يتنقل بين الاثنين في فرقتيهما، حتى وقعت أم كلثوم في 1937 عقد حفلاتها الحية مع الإذاعة المصرية في الخميس الأول من كل شهر، فتحول محمد عبده صالح منذ ذلك الزمن المبكر وحتى يوم وفاته الى عضو ثابت في فرقة أم كلثوم الموسيقية.

وانتقل محمد عبد الوهاب الى التعامل مع عبقري أخر من عباقرة العزف على القانون، وهو الفنان كامل إبراهيم، ثم انتقل بعد وفاة هذا المبدع للتعاون مع الفنان المبدع عبد الفتاح منسي شقيق عبقري الكمان أنور منسي.

في بداية تعاونه مع أم كلثوم، كان محمد عبده صالح يحتل الموقع الثاني في فرقتها الموسيقية اذ كان الموقع الأول موقع قيادة الفرقة الموسيقية معقود بلواء عبقري العود الموسيقار محمد القصبجي.

ومع تقدم القصبجي في السن، وتراجع وتراجع ذاكرته الموسيقية بسبب ذلك إضافة الى الأزمة الكبرة التي نشبت بينه وبين أم كلثوم على اثر الفشل الجماهيري لفيلم عايدة، انتقل موقع قيادة الفرقة الموسيقية لأم كلثوم من القصبجي الى محمد عبده صالح، في أواخر الاربعينيات أو أوائل الخمسينيات.

من يتذكر حفلات أم كلثوم العظيمة في ذلك العصر الذهبي، يتذكر أن سيدة الغناء العربي لم تكن تسمح بالتقاسيم المنفردة وسط أغنياتها الى لثلاثة عازفين فقط هم:

محمد القصبجي على العود ومحمد عبد الله صالح على القانون واحمد الحفناوي على الكمان.

أما عازف الناي في الفرقة سيد سالم، كان مع تقدمه في السن ضعيفا الى درجة يعجب فيها المرء من سبب احتفاظ أم كلثوم به حتى آخر أيامه، ولا يجد تفسيرا فنيا لذلك سوى عامل الوفاء في التعامل الإنساني.

الى جانب التقاسيم الرائعة التي كان محمد عبده صالح يؤديها وسط أغنيات ام كلثوم، كان كبار الملحنين خاصة السنباطي أولا قم محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي بعد ذلك، يخصصون لآلة القانون مقاطع عزف منفرد وسط اللحن، لأنهم يقدرون عبقرية العازف الذي سيؤدي هذا العسف المنفرد، وهو محمد عبده صالح الذي نشاهده حتى اليوم في تسجيلات حفلات أم كلثوم الحية، بعد انتهائه من العزف المنفرد وسماعه التصفيق الحار للجمهور يقف في نصف انحناءة لرد تحية الجمهور.

ومنذ هذا التاريخ الى أن توفاه الله وهو يعمل معها، واثناء عمله جرب التلحين ولحن مقطوعة موسيقية على وزن السيكا سماها (لوعة – صفاء – شكوى – أشواقي – وقت الضحى – السماح – وقت السحر) وكان يعزف هذه المقطوعات مع أفراد تخت أم كلثوم كمقدمة قبل أن تبدأ (الست) في الغناء.

وفاته

استيقظ من نومه مبكرا، كان نشيطا مشرقا، ولكنه وجد زوجته مريضة، فاتصل تليفونيا بأصغر بناته، وطلب منها الحضور للجلوس مع والدتها، ولم يغادر المنزل طوال الصباح، ولما حان موعد الغداء جلس أمام المائدة بمفرده وتناول الادوية التي اعتاد عليها قبل الاكل، وجاء الطعام شورية وكتكوت مسلوق وسلاطة خضراء، وبعد أن أتم وجبته طلب الفاكهة، فجاءت ابنته بطبق من البطيخ تناول منه قطعة واحدة، سقط بعدها رأسه على المائدة دون أن ينطق بكلمة واحدة.

كانت زوجته مستيقظة على الفراش في غرفتها الذي كان مفتوحا بعض الشيء بحيث يمكنها رؤية زوجها من فراشها وهو يتناول غداءه وعندما سقطت رأسه على المائدة قفزت من الفراش وأسرعت اليه، رفعت راسه وأسندته بيديها وطلبت من ابنتها أن تتصل تليفونيا بالطبيب. جاء الطبيب، انحنى على المريض، وقع الكشف بسرعة ثم رفع رأسه وقال البقية في حياتكم. وانصرف سريعا.

لم تصدق الزوجة وكانت تعتقد أن زوجها في غيبوبة، وأن ودهه مازال مشرقا فيه الحياة.

اتصلت تيليفونيا بطبيب آخر وامتلأ البيت بالأقارب والجيران والاقارب وحضرت ابنته الثانية قبل وصول الطبيب الذي لم يكد يكشف عليه حتى قال القية في حياتكم.

عندما علمت أم كلثوم بوفاته أسرت الى منزله تسبقها دموعها، وقفت بجوار جثمانه تقرأ آيات من القرآن الكريم لكنها لم تشترك في الجنازة وتتحول الى مظاهرة تسيء الى رهبة الموقف.

وتوفي رحمه الله عام 1970