الحرية هي الحياة والفن هو الحليف الأضمن والأقوى
صاحبة صوت حالم وهادئ وواثق، تعيش معتزة بتراثها الغنائي، لكنها قلقة على مصيره، خائفة عليه من الضياع والنسيان رغم ثقتها به، ورغم وقوف المستمعين، خصوصاً في عصره، إلى جانبهم، وحفظهم له وترديدهم إياه في السهرات والليالي.
هذه الفنانة تقول باستمرار، لكل انسان ولكل وسيلة اعلامية ولكل مسؤول: بتندم إن أنت أهملت أغنياتي. «بتندم» إن أنت لم تعد نشرها بين الناس ولم تعرف إليها هذا الجيل وكل جيل. «بتندم» إن لم تعرف أنني أنا، بيبي، بهية، وداد... أنا صاحبة هذه الأغنية.
الفنانة وداد لم تندم على عملها في الفن، ولو عادت بها الحياة إلى الوراء ثانية لعملت في الفن من جديد، لكنها نادمة على فرصة ذهبية أساسية لم تهتم بها الاهتمام الكافي، ولم تقدرها حق قدرها، ولم تسلّم أمرها لها، وهي دعوة محمد عبد الوهاب لها إلى أن تسجل أغنياته القديمة الأولى بصوتها وخصوصاً أنها بدأت حياتها الفنية في الأساس، وقبل أن تدرك العاشرة من عمرها، مع عبد الوهاب نفسه وقبل أن تتعرّف إليه، وذلك مع أغنيته الأصيلة «سجى الليل حتى هام بي الشّعر...».
وهيد تعيد السبب في ضياع هذه الفرصة الوهابية إلى «وشوشات مغرضة صبّت في أذنيها»، وحرّضتها على ألاّ ترضى من عبد الوهاب إلا بأغنيات جديدة خاصة بها، فقالت لمجدي العمروسي صاحب شركة الفن والذي نقل إليها رغبة عبد الوهاب بشكل غير مباشر من خلال جوابها: «سيبني أفكر شوية»، فما كان من عبد الوهاب بلياقته المعهودة، إلا أن اكتفى بالجواب التالي للعمروسي: «شيل العقد»، طاوياً الموضوع إلى الأبد.
لكنها وبعد سنين، عادت وأحيت ذكرى الفنان الكبير وحققت شيئاً من التعاون الفني الخيالي معه، ولو في غيابه، حين سجلت بصوتها واحدة من أشهر أغنياته الأخيرة «من غير ليه».
الحرية هي الحياة
ولدت وداد، وهي سابقاً بهية وهبي، وهي قبل ذلك بيبي ابنة الموسيقي الحلبي فرج عواد والمغنية الاسكندرانية صالحة المصرية في تونس ، ودارت بها الأيام كثيراً في أكثر من بلد وفي أكثر من مدينة (من حلب إلى بغداد إلى القاهرة إلى مراكش إلى باريس إلى بيروت...) وفي أكثر من حالة زواج لتستقر في لبنان وتكون مواطنة لبنانية محبّة وفيّة.
الوالد كان عازفاً على العود في فرقة منيرة المهدية المطربة المصرية المشهورة، والوالدة كانت مغنية اختارت الفن الأوروبي منذ البداية. كما أن خالتها بهية (ومنها أخذت اسمها) كانت تغني أيضاً.
بدايتها كانت في بيروت، في إذاعة لبنان، حين كانت تطلق غناءها المباشر على عادة أهل الفن آنذاك، وكانت تقف على الكرسي سعياً إلى الأعلى في الفن والشهرة ولكي تتمكن من مواجهة الميكروفون.
عرف صوتها منذ البداية بالهدوء وصفاء التعبير، وهي بدورها ميّالة إلى الأصوات الغنية بالوداعة والإحساس على حساب «الرّخامة والصّراحة والقوّة»، من هنا تفضيلها لأصوات السنباطي وليلى مراد وفائزة أحمد وعبد الحليم حافظ...
أما ولادة اسمها الحالي «وداد» فقد حصلت في إذاعة الشرق الأدنى حين طرح توفيق الباشا وعاصي ومنصور الرحباني مجموعة أسماء دعوا فيروز لاختيار أحدها بالقرعة، فكان اسم وداد هو الرابح الفائز وكان ذلك بداية انتقالها من الشاعر عبد الجليل وهبي زوجاً سابقاً إلى المؤلف الموسيقي توفيق الباشا زوجاً جديداً ليصبح بعد ذلك سابقاً هو الآخر، فالحرية هي الحياة بالنسبة إليها، والفن هو الحليف الأضمن والأقوى.
محطات الندم الثلاث
لم تندم الفنانة وداد على عملها في الفن، إنما تبرز في حياتها محطات ندم ثلاث هي:
1- عدم تمكّنها من العمل في السينما، وكانت أم كلثوم هي التي نصحتها بالسفر إلى مصر، الأرض الخصبة للغناء العربي، بعد أن سمعتها تغني مع وديع الصافي أغنيته الجميلة «طل القمر ورفيقتي طلّت معو»، وهناك كانت فرصة ثمينة بانتظارها، إذ دعاها المخرج ينازي مصطفى لتنظيم ثلاثة عقود من أجل الاشتراك في تمثيل تسعة أفلام دفعة واحدة كان من المنتظر أن تجمعها بأكثر من فنان كبير: فريد الأطرش، محمد فوزي، أنور وجدي، فاتن حمامة... أما سبب عدم تمـكنها من ذلك فهـو عـدم موافقة والديها، ليس هذا فقط، بل هجومهما على استوديو التصوير وسحبهما إياها إلى الخارج، خصوصاً بعد أن شاهدوا اشتراكها في بعض المشاهد التمثيلية غير المقبولة، وهذا كان رأي العـائلات المحافظة في ذلك الزمـان، حتـى ولو كان الأهـل فـنانين مـثل أهلـها.
2- عنادها في طلب الطلاق في إحدى حالات زواجها.
3- عدم موافقتها على تسجيل أغنيات عبد الوهاب القديمة.
مع من تعاونت؟
لحّن لوداد الكثيرون، خصوصاً في لبنان:
- عفيف رضوان: يا ساكن قلبي كان خالي (كلمات توفيق بركات).
- حسن غندور: لولا كلام الناس.
- فيلمون وهبي:
نجمات الليل جبتلو
وبيت من الورد عملتلتو
والشمس حنّت عالحجر
والناس وصلوا عالقمر
وأنا ما قدرت أوصللو
(كلمات توفيق بركات)
- زكي ناصيف:
{ في وردة بين الوردات سألتني عنك
مفتونة بهاك النغمات ال سمعتها منك
{ قطر الندى أمي الحبيبة (وقد سجلتها فيروز لاحقاً).
- محمود الرشيدي: يا ليالي الهنا تعالي.
- نايف علي: نشيد الفداء (كلمات سميح حمادة).
- توفيق الباشا: بيعني لفتة نظر واطلب ثمنها الروح (نظم عبد الجليل وهبي).
- سمير حلمي: عطري لمن، سحري لمن (كلمات خليل الخوري).
- سامي الصيداوي: بتندم - يا ناعم - يسلملي الفهم - صبحتو وما ردّ - لا قلبي ولا بعرفك...
والصيداوي بالنسبة إليها هو الأنجح في ربط الكلمة بالواقع، وقد قطف عنوان لحنه «بتندم» من كلمة عتاب قالتها هي لزوجها داعية إياه للعودة إلى المنزل والإقلاع عن زيارة كان ينوي القيام بها مع أصحابه (ومن ضمنهم الصيداوي): بتندم وحياة عيوني بتندم... لكنه مضى وليس من الثابت إن كان قد ندم أو لم يندم!
0 تعليق على موضوع : أبوها الموسيقي الحلبي فرج عواد وأمها المغنية الاسكندرانية صالحة المصرية - محطات في حياة المطربة وداد (بهية وهبي)
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات