قصة الأمس
بين ذكريات وقصة الأمس
يبدو رياض السنباطي في تلك الفترة وكأنه ينافس نفسه، فقد كان الملحن الوحيد لأم كلثوم بعد توقف القصبجي وزكريا عن التلحين لها لسنوات طويلة واقتصرت ألحان الموجي والطويل لها على الأغنيات القصيرة أو الأناشيد، ولم يكن بليغ حمدي قد ظهر بعد كملحن لأم كلثوم. كان على رياض في تلك المرحلة إثبات أنه يستطيع التنويع والتجويد، التنويع لتجنب تشابه الألحان، والتجويد لكي تبدو الألحان الجديدة أفضل مما سبقها
كذلك كان الشاعر أحمد رامي في موقف مشابه حيث كتب عددا هائلا من أغنيات أم كلثوم ولازمها لفترة أطول بكثير من رياض السنباطي، حتى عندما قدمت القصيدة العاطفية الحديثة ممثلة في "ذكريات" كتبها أيضا أحمد رامي المعروف بنصوصه الغنائية المكتوبة بالعامية.
أدركت أم كلثوم أنها أصبحت أسيرة نفس الشاعر ونفس الملحن، فبدأت تبحث عن شعراء جدد وملحنين جدد. وقد اقتفت بذلك خطوات عبد الوهاب الذي تحرر من أسر أحمد شوقي. وبينما كان على عبد الوهاب تنويع مصادر الشعر فقط كان على أم كلثوم تنويع مصادر الشعر والألحان.
قبلت أم كلثوم ألحانا من ملحنين جدد مثل محمد الموجي وكمال الطويل، ولاحقا بليغ حمدي، وكذلك استدعت شاعر "الكرنك" لمحمد عبد الوهاب، أحمد فتحي، ليكتب قصة الأمس، وبدأت في استقطاب شعراء جدد مثل عبد المنعم السباعي وعبد الفتاح مصطفى
كان تقديم عبد الوهاب لقصيدة الكرنك فتحا جديدا في موضوعاته الغنائية، لكن الأمر لم يكن كذلك عندما غنت أم كلثوم لنفس الشاعر. فقد جاءت "قصة الأمس" مشابهة في موضوعها لقصيدة ذكريات لأحمد رامي التي قدمتها قبل عامين تقريبا، وربما أدى هذا إلى تشابه اللحنين في عدة عناصر. صحيح أن "قصة الأمس" تبدأ بصيحة رافضة "أنا لن أعود إليك" لكنها تتحدث حديث الذكريات في معظم أبياتها، وتلتقي القصيدتان في ذات المعنى عندما تقول إحداهما "ثم عاشت في ظنوني وهي وهم وخيال"، وتقول الأخرى "يا لذِكراك التي عاشتْ بها روحي على الوهمِ سنينا"
ويجدر هنا عقد مقارنة سريعة بين قصة الأمس "أنا لن أعود إليه" وذكريات " قصة حبي" لنكتشف مدى التشابه ومواضع الاختلاف
1. القالب: القصيدة
2. الموضوع الشعري
3. الملحن
4. الفترة الزمنية (1956/1958)
5. المقام الموسيقي الأساسي (نهاوند)
6. المدخل الغنائي يبدأ بمقام النهاوند ويختتم بمقام الراست
7. استخدام أبيات المدخل كمذهب يعاد بين المقاطع الغنائية
8. تشابه جملة الختام في المقطع المكرر من الغناء
على أن هناك اختلافات نلخصها في بعض النقاط
1. المقدمة الموسيقية: تبدو مقدمة قصة الأمس أبسط كثيرا في تركيبها من مقدمة ذكريات
2. تتنوع المقامات والإيقاعات أكثر في قصة الأمس
3. تمتلئ قصة الأمس بالمقاطع الغنائية المميزة بفضل عدة عناصر أهمها التعبير والإيقاع والطرب وتصوير الحالة
· غناء حر مميز نهاوند / نوا أثر / ماجير كلها على نفس الركوز مع "وعدتني .."
· غناء مميز على إيقاع ثنائي رشيق مقام عجم الراست "دو ماجير" مع "ثم أخلفت وعودا" يختتم بمقام شوق أفزا
· غناء مميز موقع مقام نوا أثر / حجاز النوا مع "عش كما تهوى"
· غناء حر مميز بياتي النوا مع "يسهر المصباح"
· دخول في تصوير الحالة مع "وعيون الليل"
· غناء طربي مميز في مقام الصبا على إيقاع رباعي متوسط مع "يا لذكراك" يختم بمقام بستة نكار مصور على السيكاه
قصة الأمس الأولى 6 فيفري 1958 – الازبكية
الأداء
كعادتها تقدم أم كلثوم نموذجا للأداء الغنائي غاية في الإتقان، ويمتزج صوتها باللحن والكلمات ليجعل من العمل الفني نسيجا واحدا فلا يكاد المستمع يميز أي عنصر منفردا. ونلاحظ أن صوت أم كلثوم قد تغير مع هاتين القصيدتين فأصبح أكثر نضوجا من صوتها في الأعمال السابقة ..
وستتميز الحقبة التالية بأن صوتها قد بدأ يختلف شيئا فشيئا في طبيعته وفي المنطقة الصوتية التي يكون فيها في أحسن حالاته، وهي بحكم الزمن في انخفاض تدريجي إلى المنطقة الأدنى، وتبع ذلك خفض دوزان الفرقة الموسيقية درجة كاملة أو أكثر، ثم أصبحت تغني في مقامات مصورة على الدرجات المنخفضة بصورة اعتيادية بعد ذلك.
ورغم هذه التغيرات في نبرة الصوت فإن أداء أم كلثوم الرائع لم يتغير .. إلا إلى الأفضل
عرض وتحرير د.أسامة عفيفي، كلاسيكيات أم كلثوم - السنباطي، قصة الأمس
أنا لن أعودَ إليك مهما اسْتَرْحَمَتْ دقاتُ قلبي
أنتَ الذي بدأ الملالةَ والصُّدودَ وخانَ حُبّي
فإذا دعوتَ اليومَ قلبي للتصافي لا لن يُلبِّي
كنتَ لي أَيّامَ كانَ الحبُّ لي أملَ الدُّنيا ودُنيا أَملي
حينَ غنَّيتُك لحنَ الغزلِ بينَ أفراحِ الغرامِ الأوّلِ
وكنتَ عيني، وعلى نورِها لاحتْ أزاهيرُ الصِّبا والفُتون
وكنتَ روحي، هامَ فى سرِّها قلبي ولم تُدرِكْ مداه الظُنون
وعدتني أنْ لا يكون الهوى ما بيننا إلا الرِّضا والصَّفاء
وقلتَ لي إنَّ عذابَ النَّوى بُشرى توافينا بقُربِ اللقاء
ثمَّ أخلفتَ وعوداً طابَ فيها خاطري
هل توسَّمْت جديداً فى غرامٍ ناضرِ
فغرامي راح يا طولَ ضَراعاتي إليه
وانشغالي فى ليالي السُّهد والوَجْدِ عليه
كانَ عندي وليسَ بَعْدَكَ عِندي نعْمَةٌ من تصوّراتي ووجدي
يا تُرى ما تقولُ روحُك بعدي فى ابتعادي وكبريائي وزُهدي
عِشْ كما تهوى قريباً او بعيدا
حَسْبُ أيامي جراحاً ونواحاً ووعودا
ولياليَّ ضَياعاً وجُحودا
ولقاءً ووداعاً يتركُ القلبَ وحيدا
يَسْهَرُ المِصباحُ والأقداحُ والذكرى معي
وعيونُ الليل يَخبو نورُها فى أَدمُعي
يا لذِكراك التي عاشتْ بها روحي على الوهمِ سنينا
ذهبتْ من خاطري إلا صدى يعتادُني حيناً فحينا
قصّةُ الأَمس أُناجيها وأحلامُ غَدي وأمانيُّ حسانُ رَقَصَتْ فى مَعْبَدي
وجراحٌ مُشعلاتٌ نارَها فى مَرْقدي وسَحاباتُ خيالٍ غائمٍ كالأبدِ
0 تعليق على موضوع : قصة الامس الاولى 6 فيفري 1958 – الازبكية - ذكريات وتحليل
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات