رياض عيسى البندك 1924 - 1992
ولد في مدينة بيت لحم في الرابع من شهر تموز (يوليو) سنة 1924، تلقى علومه الابتدائية في المدرسة الأميرية للبنين في بيت لحم، وعلومه الثانوية في القدس الشريف في كلية تراسانتا (الأرض المقدسة).
عشق الموسيقى والغناء منذ كان طالباً في المدرسة الابتدائية، ونمّى فيه هذه الموهبة مدير المدرسة المرحوم فضيل نمر الذي كان بدوره يعزف على آلة الكمان، فأنشأ فرقة للأناشيد الوطنية. وكان لرياض صوت جميل فشجعه مديره على أن ينشد للطلاب كل صباح نشيداً وطنياً. وكان لهذا التشجيع الأثر الكبير في تنشئته الموسيقية حيث أخذ يرهف السمع إلى أساطين العرب أمثال السيد درويش، وأبو العلا محمد، ومحمد عبد الوهاب. ذاع صيته بادئ ذي بدء في بيت لحم وراح يحيي الحفلات والأعراس.
كان والده عيسى البندك رئيساً لبلدية بيت لحم وأحد أعيان الحركة الوطنية الفلسطينية وصاحب جريدة "صوت الشعب". فعزّ عليه أن ينهج ابنه هذا النهج فأخذ يقف عقبة في طريق فنه، فأرسله إلى كلية تراسانتا طالباً داخلياً. وفي هذه الكلية وجد مناخاً موسيقياً بوجود الأستاذ الموسيقار يوسف بتروني أحد كبار الموسيقيين والملحنين في الوطن العربي. وفي هذا الجو الفني نمت مواهب رياض.
انضم رياض إلى محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1943 كمطرب ثم تابع نشاطه وإقباله على العلم والتلحين، وعندما اشتد عوده لحّن لمعظم المطربين الفلسطينيين أمثال: سناء، عامر خداج، ماري عكاري، فهد نجار، كاظم السباسي، فاطمة محمد.
عيّن رئيساً للفرقة الموسيقية في إذاعة الشرق الأدنى عام 1944، ثم عاد إلى محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1946 وعاود نشاطه في الغناء والتلحين حتى النكبة 1948.
توجه إلى لبنان بعد حوادث 1948 حيث كلف بتنظيم إدارة القسم العربي الموسيقي في الإذاعة اللبنانية، وفي عام 1950 دعي من قبل الإذاعة السورية في دمشق وكلف بتنظيم وإدارة القسم الموسيقي في الإذاعة وكان مدير الإذاعة وقتئذ الأستاذ أحمد عسه.
وفي عام 1952 قامت الثورة في مصر وكان رياض من مؤيديها، فقدم استقالته ولكنها رفضت، وبعد محاولات عديدة استطاع عام 1953 أن يحقق حلمه ويذهب إلى القاهرة. وكان هنالك مشروع للثورة المصرية بإقامة إذاعة خاصة للوطن العربي هي "صوت العرب" فكان رياض أحد مؤسسيها وقام بنشاط موسيقي كبير بالإضافة إلى نشاط سياسي واسع إذ وافقت الأفِكاَر المطروحة في ثورة 23 تموز (يوليو) فكره القومي .
طلب الرئيس جمال عبد الناصر مقابلته وسأله:
"من أي بلد من فلسطين أنت؟".
"من بيت لحم"
"هل تمت بصلة إلى عيسى البندك؟".
"هو والدي"
فقال الرئيس: "سمعت عنه الكثير من اللواء المواوي ـ القائد العام للجيش المصري، ولم يكن لي شرف مقابلته حيث كنت وقتئذ في غزة".
"وطلب الرئيس المصورين لأخذ صورة تذكارية لنا ـ هكذا يقول رياض ـ وأصر أن أقف عن يمينه، وقال لي بالحرف الواحد: "إن نشيداً وطنياً من أناشيدك الوطنية يساوي مئة رئيس".
واستمر نشاط رياض في القاهرة حتى عام 1957، وبين السنوات 1957 ـ 1961 تنقل نشاطه بين كل من مصر وسورية.
وبعد الانفصال ذهب إلى بيروت حيث تعاقد مع الأستاذ نبيل الخوري ـ المقدسي المولد ـ مدير برامج الإذاعة اللبنانية على أن يتولى رئاسة الأوركسترا اللبنانية في دار الإذاعة. كان له نشاط كبير في حقل الموسيقى والتلحين حتى عام 1967 عاد بعدها إلى القاهرة لاستئناف نشاطه الفني في إذاعتي القاهرة وصوت العرب.
وفي عام 1972 اختارته الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية للقيام بتأسيس الأقسام الموسيقية في الإذاعة والتلفزيون في الإمارات العربية المتحدة في "أبو ظبي" حيث أمضى ثلاث سنوات. وبعدها عاد إلى دمشق حيث قدرت له الإذاعة السورية خدماته السابقة ونشاطاته، وعينه وزير الإعلام خبيراً موسيقياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري وظل يحتل هذا المنصب حتى عام 1992.
نشاطاته:
له حوالي (2000) لحن من مختلف أنواع الغناء تذاع ألحانه في جميع الإذاعات العربية والإذاعات الأجنبية التي لها ركن عربي.
أشهر المطربين والمطربات الذين غنوا من ألحانه:
ـ سورية: ماري جبران، فايزة أحمد، فاتن حناوي، جورج وسوف.
ـ مصر: فتحية أحمد، محمد عبد المطلب، شهرزاد، هدى سلطان، محمد قنديل، محمد رشدي، آمال حسين، عبد الغني السيد، فايدة كامل، عباس البليدي وغيرهم.
ـ لبنان: سعاد محمد، زكية حمدان، نور الهدى، نازك، وديع الصافي، نصري شمس الدين، سهام رفقي.
ـ تونس: علية التونسية، وأشهر أغانيها "لا ملامة".
ـ فلسطين: ماري عكاوي، محمد غازي، فهد نجار، كاظم السباسي، عامر خداج وزوجته سناء، فاطمة محمد.
ومن أشهر الأغاني التي اشتهر بها وغناها من إذاعة القدس عام 1946 قصيدة الشاعر الفلسطيني المعروف سعيد العيسى.
بعد طول النوى ومرّ الفراق آذن الدهــر مـــرة بالتلاقي
فإذا هي عن المودة حــــالت وإذا بــي علــى المودة باقي
حاز على الجائزة الأولى في مهرجان الأغنية بدمشق في عام 1978 عن تلحينه قصيدة للشاعر الكبير بشارة الخوري (الأخطل الصغير):
أترى يذكرونه أم نسوه هم سقوه الهوى وهم أسكروه
وقد غنتها المطربة فاتن حناوي.
كتبت الصحفية الفرنسية (ميلين بيسه) مقالة عن الصراع العربي الإسرائيلي حيث قالت بالحرف الواحد: "كان لألحان البندك إثر كبير في تنوير الجماهير العربية".
تابع تلاحينه الجميلة ولحّن نشيداً معبراً للرئيس حافظ الأسد بعنوان "حافظ العروبة" وقد أذاعته محطة الإذاعة السورية مساء الأحد الواقع في 6 / 1 / 1991 وقد كرمه سيادة الرئيس بأن منحه سيارة وبيتاً ليتمم الرسالة التي بدأها، رسالة الفن والغناء والتلحين.
وفي الثالث عشر من شهر يناير 1990 "أيام فلسطين الثقافية والفنية" منحه رئيس دولة فلسطين ياسر عرفات وسام الاستحقاق، وشهادة تكريم الأدباء والفنانين المبدعين، وذلك في جامعة الدول العربية ـ القاهرة حيث تم تكريم عدد من الشخصيات الفلسطينية وكنت أيضاً أحد المكرمين وقد قضينا وقتئذٍ أياماً ممتعة اجتمعنا فيها إلى بعض الإخوان والخلان الذين لم نكحل أعيننا برؤيتهم منذ النكبة.
انتقل إلى رحمته تعالى في السادس من شهر شباط 1992 في دمشق ـ سوري
المصدر : تاريخ الإذاعة الفلسطينية "هنا القدس" ـ ١٩٣٦ ـ ١٩٤٨
تـــألـــيف : نصري الجوزي "المقدسي"
0 تعليق على موضوع : الموسيقار الفلسطيني رياض عيسى البندك 1924 - 1992
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات