وحياة أم كلثوم العاطفية تلخصها كلماتها لأحمد رامي وهي علي فراش الموت: لقد وجدت دائما صعوبة في الخضوع للرجال لأنهم كانوا دائما عند قدمي.
و كان في حياتها أربعة رجال هم أحمد رامي ومحمد القصبجي وكان حبهما من طرف واحد. وفي عام 1946 أعلنت خطبتها علي الملحن الشاب محمود الشريف والذي يؤكد البعض أن زواجهما تم بالفعل, ولم يستمرسوي عدة أيام بسبب استنكار الرأي العام له بشدة, والحقيقة أنه كان الحب الحقيقي في حياتها. وفي عام1952 تعرفت علي الدكتور حسن الحفناوي وأحبته وتزوجته وكان متزوجا ويصغرها بـ17 عاما, ولم يعلن زواجهما سوي في عام1954 واستمر حتي وفاتها.
ويروى الكاتب الأديب الأستاذ محمد الحديدي كما ذكر رجاء النقاش فى مقالته بالأهرام يوم 13/2/2000
أن مصطفي أمين كان يحب أم كلثوم منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره, وهذا هو نص الرسالة: أكتب إليكم معقبا علي مقالكم في أهرام الأحد الماضي6 فبراير2000 الذي يدور حول زواج أم كلثوم من مصطفي أمين, وهذه بالطبع أمور تاريخية لها موضعها من اهتمامات المصري سواء كان مفكرا أو كاتبا أو مجرد فرد في المجتمع.
وأود أن أضيف أنني برغم كوني مجرد كاتب وليس صحفيا محترفا كنت قد أجريت حديثا صحفيا مع مصطفي أمين سجلته علي شريط مازال عندي, وقد نشرته في جريدة الأحرار في عددها الصادر بتاريخ19 ديسمبر سنة1977 وفي هذا الحديث روي لي مصطفي أمين أنه رأي أم كلثوم لأول مرة وهو في الحادية عشرة من عمره وقصة ذلك أنه كان يتناول الغداء في بيت الزعيم سعد زغلول بيت الأمة وقد أقيم الغداء لتكريم رجل من كينيا اسمه علي مبارك وكان هذا الرجل قد أكرم وفادة زعماء مصريين علي رأسهم سعد زغلول وكان الانجليز قد أفرجوا عن هؤلاء الزعماء من سجنهم في جزيرة سيشل وتركوهم في ميناء مومباسا دون أية معاونة تمكنهم من العودة إلي مصر, وقام هذا الرجل الكيني علي مبارك بمعاونتهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه وعندما جاء بعد ذلك إلي مصر دعاه الزعيم سعد زغلول إلي بيته.
وكان ذلك سنة1925 ثم يقول مصطفي أمين إن الزعيم سعد زغلول كلف والده أمين يوسف بأن يصطحب الضيف إلي سهرة ليلية, وأن مصطفي أمين وعلي أمين طلبا من والدهما أن يصحبهما معه في تلك السهرة وطلبا أن يذهبا إلي مسرح علي الكسار لمشاهدة مسرحية اسمها أبوزعيزع, ولكن الوالد أمين يوسف رفض وأخذهم جميعا إلي أم كلثوم .
وهكذا كان أول لقاء لمصطفي أمين مع أم كلثوم ضد إرادته وبعد ذلك بسنوات كلفته السيدة روزاليوسف بإجراء حديث مع أم كلثوم في أي موضوع يختاره, وكان عمره آنذاك 16 سنة وعندما قابلها قال لها: إنه جاء ليحدثها عن الحب ويستمر حديث مصطفي معي والتسجيل عندي فيقول: إنه في هذا اللقاء باح لها بحبه, وأن صلته معها بعد ذلك استمرت بدرجة متزايدة الوثوق.(كتب لها فى هذه الفترة قصة فيلم فاطمه).
كما قال في حديثه بالنص ثم قال مصطفي أمين إنه مضت بعد ذلك سنون طويلة وفي اليوم التالي للقبض عليه دار حديث بين الرئيس عبدالناصر وبين عبدالوهاب وأم كلثوم في نادي الضباط في ليلة23 يوليو سنة1965.
فقال عبدالوهاب: إن المخطيء ينال جزاءه
أما أم كلثوم فقالت: أنا واثقة أن مصطفي أمين وطني مخلص ولا يمكن أن يخون بلده.
وظلت أم كلثوم تسانده في محنته حتي النهاية, ويختم خطابة الى رجاء النقاش بقوله :الشريط الذي سجلت عليه حديث مصطفي أمين بصوته تحت يدي إذا أردت الاستماع إليه.
ويضيف رجاء النقاش قى مقلته بالأهرام يوم 6/2/2000
في التحقيق الصحفي الممتاز, الذي نشرته الأهرام في ملحقها الصادر يوم الجمعة28 يناير الماضي تحت عنوان نغم مصر الجميل طالعتنا أحاديث متعددة حول شخصية أم كلثوم فنانة مصر الأولي وسيدة الغناء العربي الراقي في القرن العشرين, وقد توقفت في هذا التحقيق الصحفي الممتاز أمام عبارة وردت علي لسان الأستاذ سمير خالد إبراهيم ابن الشيخ خالد شقيق أم كلثوم, حيث قال: لقد نشأت مع أم كلثوم ـ عمتي ـ في بيتها بالزمالك, وأذكر أن والدي وافق علي زواجها من أحد كبار الصحفيين, وقد تزوجته لمدة عشر سنوات, علي أن الأستاذ سمير خالد لم يذكر اسم الصحفي الكبير, الذي يقول: إن أم كلثوم قد تزوجته لمدة عشر سنوات, فمن هو هذا الصحفي؟ ولماذا بقي هذا الزواج في طي الكتمان حتي الآن دون أن يشير إليه أحد, رغم أنه كان زواجا شرعيا, ولم يكن فيه ما يسيء إلي أم كلثوم من قريب أو بعيد؟
لقد أعاد كلام الأستاذ سمير خالد إلي ذاكرتي قصة سمعتها من مسئول كبير سابق لم يأذن لي بذكر اسمه (صلاح نصر), ولم يفصح لي عن الظروف التي ساعدته علي معرفة حقيقة زواج أم كلثوم من الصحفي الكبير, ومع ذلك فأنا لا أجد الآن ما يمنعني من رواية القصة نفسها, كما سمعتها من ذلك المسئول الذي أثق بصدقه وأمانته.
ولعلي قبل أن أروي القصة نفسها أجدني مضطرا للوقوف أمام سؤال يخطر علي البال هو: هل من حق أحد أن يتناول الأسرار الخاصة لشخصية مهمة مثل أم كلثوم تعيش في قلوبنا جميعا, ونعتبرها مثلا أعلي في الفن والأخلاق والوطنية, ونري فيها نموذجا إنسانيا نقيا لم يصبه أي خدش يمس جماله وعبقريته؟ هل من حقنا أن نفعل ذلك أو أننا لو فعلناه نكون قد تجاوزنا الحدود المقبولة ـ وطنيا وأخلاقيا ـ بالنسبة للشخصيات العامة؟
إن الإجابة علي هذا السؤال الدقيق ليست سهلة ولا ميسورة ومع ذلك فأنا أري, وقد أكون مخطئا أن الشخصية العامة عندما تصبح ملكا للتاريخ فمن حقنا أن نسعي لمعرفة كل ما يتصل بها, خاصة إذا كان من الواضح أن ما كان يمكن اعتباره من الأسرار الخاصة في حياة الشخصية العامة لم يعد من الضروري أن يبقي سرا بعد انتهاء كل الظروف والاعتبارات التي فرضت الإبقاء علي هذا السر في طي الكتمان يضاف إلي ذلك أن مثل هذه الأسرار يمكن أن تساعد علي تفسير بعض الجوانب في حياة الشخصية العامة, كما يمكن أن تساعد علي تفسير بعض الأحداث التاريخية التي أحاطت بهذه الشخصية العامة.
وأعود إلي القصة التي سمعتها من المسئول الكبير السابق, حيث روي لي أنه في إحدي المناسبات التي لم يشأ هذا المسئول أن يحددها وقعت في يده بعض الأوراق الخاصة للكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين1914 ـ1997 ووجد المسئول الكبير بين هذه الأوراق عقد زواج رسميا وليس عرفيا بين مصطفي أمين وأم كلثوم, كما وجد مجموعة من رسائل أم كلثوم إلي مصطفي أمين تخاطبه فيها بقولها: زوجي العزيز, وكان وقوع هذه الأوراق في يد المسئول الكبير السابق, وهو من عشاق أم كلثوم سنة1959 ويواصل المسئول الكبير روايته فيقول: إنني حملت هذه الأوراق علي الفور وقدمتها, كما هي إلي الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وأن عبدالناصر أمسك بها ونظر إليها وابتسم دون أن يعلق بشيء ثم وضعها في جيبه, ومن يومها لم تظهر هذه الأوراق علي الإطلاق ولم يطلع عليها أحد ولا أدري ماذا فعل بها عبدالناصر وأغلب الظن أن عبدالناصر قد أخفاها تماما ولم يتحدث فيها إلي أم كلثوم ولا إلي غيرها, واعتبرها شأنا خاصا لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه.
ثم علق المسئول الكبير السابق علي هذه القصة بقوله: إن عبدالناصر كان يحب أم كلثوم ويحترمها ويعتبرها قيمة وطنية عالية, ولم يكن يتهاون في الدفاع عنها وتكريمها وحمايتها من أي محاولة للإساءة إلي مكانتها أو المساس بمشاعرها, ولذلك ـ كما قال المسئول الكبير ـ فإن عبدالناصر قد طوي هذا الموضوع نهائيا من تفكيره, ولم يسمح بتسريبه إلي أحد مادامت أم كلثوم نفسها كانت لا تحب الإعلان عنه, ولعل هذه الأوراق الخاصة قد أعيدت إلي صاحبها بعد وصولها إلي عبدالناصر, وذلك هو التصرف السليم اللائق..
هذه هي الراوية التي سمعتها منذ أكثر من ثلاثين سنة, وأعادها إلي ذاكرتي مسلسل أم كلثوم الرائع, ثم ما أشار إليه ابن شقيقها سمير خالد في حديثه مع الأهرام منذ أيام, مما يؤكد أن الزواج بين أم كلثوم ومصطفي أمين كان حقيقة ولم يكن اشاعة كاذبة.
فما الذي جمع بين أم كلثوم ومصطفي أمين؟
كان مصطفي أمين أصغر من أم كلثوم بحوالي16 عاما, فهو كما سبقت الإشارة من مواليد سنة1914 وأم كلثوم من مواليد1898 وربما كان هذا الفارق في العمر من بين الأسباب الرئيسية في ميل أم كلثوم إلي إخفاء هذا الزواج وعدم الإعلان عنه, وقد كانت أم كلثوم عندما تعرفت لأول مرة علي مصطفي أمين في منتصف الثلاثينيات تقريبا في بدايات مجدها الفني العظيم, ولكنها مع ذلك كانت تتعرض لحروب مختلفة من الوسط الفني ومن خارجه, وهي في الأصل فتاة قروية فلاحة وفدت إلي مدينة القاهرة دون أن تكون علي معرفة وثيقة بالأجواء الصاخبة لهذه المدينة والتيارات العنيفة المتصارعة فيها, وكانت أم كلثوم بحاجة إلي من يقف إلي جانبها ويساعدها علي مواجهة المعارك الصعبة التي تدور حولها, وكان أقوي ما يساعد أم كلثوم علي مواجهة الحياة بعد موهبتها العالية هو ذكاءها الحاد, وقدرتها النادرة علي فهم الناس واستعدادها الكبير لاكتساب المعرفة والثقافة,
ويضيف رجاء النقاش :وقد أتيح لي أن ألتقي بها وأتعرف عليها سنة1966 وسافرت معها في رحلتين من رحلاتها الفنية المشهورة التي كانت تقوم بها من أجل المجهود الحربي بعد سنة1967 وكانت الرحلة الأولي سنة1968 إلي السودان وكانت الثانية سنة1969 إلي ليبيا وعندما اقتربت منها شعرت بما كنت أسمعه عنها من قوة الشخصية واتساع الثقافة والمعرفة,
فهذه السيدة التي لم تدخل مدرسة ولا جامعة, ولم تتعلم سوي فترة قصيرة في كتاب قريتها وهي طفلة, كانت تعطيك إحساسا قويا بأنها تخرجت في أعظم جامعات الدنيا, وأنها تتفوق علي الذين يحملون الدكتوراه من هذه الجامعات العالمية, ذلك لأن أم كلثوم لم تعتمد علي موهبتها فقط, ولكنها بذلت جهدا كبيرا ومستمرا في تنمية ثقافتها, وتوسيع معرفتها بشئون الحياة حتي وصلت إلي ما وصلت إليه من ثقافة عالية رفيعة,
وما حققته أم كلثوم لنفسها لم يكن غريبا علي عصرها, فروح هذا العصر كله كانت قائمة علي الإرادة القوية والطموح النادر,
فقد نشأت أم كلثوم في عصر العقاد وطه حسين وعبدالوهاب وغيرهم من العباقرة المعاصرين لها, وعندما نقرأ قصص حياة هذه الشخصيات جميعا نجد أنها كلها قصص كفاح شاق ارتفع بأصحابها إلي القمة الاجتماعية, برغم أنهم نشأوا في ظروف صعبة يحيط بها الفقر وضعف الإمكانات في كل جوانب الحياة, ولكنه كان كما قلت عصر الإرادات القوية التي استطاعت أن تقهر الصعوبات العسيرة وتنتصر عليها,
وقصة نجاح أم كلثوم من هذه القصص العظيمة التي كان للإرادة القوية فيها دور البطولة.
إلا أن أم كلثوم كانت امرأة في مجتمع محافظ لم يكن من السهل فيه أن تشق المرأة طريقها في الحياة, وهي وحيدة بلا عون ولا مساندة, وقد تغيرت الدنيا الآن, وأصبحت المرأة تجد طريقها إلي التعليم والعمل, وتجد الاحترام والمساندة وتستطيع أن تصل إذا أرادت واجتهدت إلي المكانة التي يحققها الرجال, ولكن عصر أم كلثوم, وبالتحديد في النصف الأول من القرن العشرين, لم يكن علي هذا القدر من التفتح في النظر إلي المرأة, وخاصة إذا كانت هذه المرأة فنانة مثل أم كلثوم فقد كان علي أم كلثوم أن تبذل جهدا خارقا لكي تكون ـ كما حدث بالفعل ـ شخصية يحترمها الجميع, وقد حققت أم كلثوم أكثر من ذلك ففرضت علي الجميع احترام الفن نفسه, وجعلت من الفن عملا راقيا ينظر إليه المجتمع باحترام عظيم ويضعه بين الأعمال المؤثرة في المجتمع, بعد أن كان الفن بصورة عامة يبدو في درجة ثانوية من احترام المجتمع وتقديره.
ولا شك أن أم كلثوم في رحلتها الطويلة الشاقة كانت بحاجة إلي من يقف إلي جانبها ويساندها ويساعدها علي مواجهة أي مصاعب تعترض حياتها,
وفي هذه الظروف التقت بمصطفي أمين, فوجدت فيه شخصية قوية وقادرة علي أن تقوم بدور أساسي في حياتها, فقد كان مصطفي أمين في الثلاثينيات والأربعينيات من المع شباب مصر, وكان قد تعلم في أمريكا مع شقيق الصحفي الكبير علي أمين, وكان مصطفي أمين من عائلة ارستقراطية, مما أتاح له الاتصال الوثيق بالطبقات ذات النفوذ في المجتمع المصري قبل الثورة,
ومن المعروف أن أحمد حسنين معلم الملك فاروق ورئيس ديوانه قد اختار مجموعة من الشباب ممن كان يقال عنهم إنهم من أبناء العائلات ليكونوا أصدقاء للملك فاروق, وكان من بينهم مصطفي أمين علي أن مصطفي أمين لم يكتسب أهميته ودوره في حياة مصر الحديثة من صداقته للملك أو من عائلته الارستقراطية, بل اكتسب أهميته من موهبته الكبيرة وحبه للصحافة, ولا شك أن مصطفي أمين مهما اختلفت حوله الآراء كان من مؤسسي الصحافة المصرية الحديثة ويعود إليه فضل كبير في تطور الصحافة المصرية ونهضتها, وكما استطاعت أم كلثوم أن ترفع من سمعة الفنان وتحقق له الاحترام الاجتماعي, فإن مصطفي أمين كان واحدا من الرواد الكبار الذين رفعوا سمعة الصحافة وجعلوا منها مهنة محترمة, وقد أنشأ مصطفي أمين جريدة أخبار اليوم سنة1944 وشاركت أم كلثوم بأموالها في إنشاء هذه الجريدة, كما ذكر مصطفي أمين نفسه مرارا واستطاعت أخبار اليوم أن تصبح مدرسة صحفية كبيرة, عميدها ومؤسسها هو مصطفي أمين مع شقيقه علي أمين, ولا تزال هذه المدرسة تؤدي دورها المؤثر حتي اليوم,
وبرغم أن مصطفي أمين كان له أعداء كثيرون, وكان هناك نقاد أشداء لأفكاره ومواقفه, وكانت له معاركه الصعبة في مختلف مراحل حياته, وكان هناك من يعترضون علي أسلوبه ومدرسته الصحفية كلها, إلا أن الإنصاف يقتضي القول بأن مصطفي أمين كان له أنصار وتلاميذ كثيرون وكان له ملايين المعجبين بين المواطنين العاديين, وكان مصطفي أمين من الأنصار المتحمسين للديمقراطية, برغم كل ما يأخذه عليه خصومه من مآخذ وما يوجهونه إليه من اتهامات يحتاج الكثير منها إلي تحقيق تاريخي دقيق, وذلك للفصل في قضية هذه الاتهامات وهل كان مصدرها اختلافا في الرأي أو كان مصدرها شيئا آخر.
مصطفي أمين شخصية قوية جبارة وجذابة مهما اختلفت الآراء حولها وتعددت الاجتهادات في تفسيرها وتحليلها بين المعجبين به والمعترضين عليه, ولم يكن من الغريب أن يصبح مصطفي أمين موضع اهتمام أم كلثوم ولم يكن من الغريب أيضا أن ينتهي هذا الاهتمام بالزواج, فقد كان مصطفي أمين, وخاصة في فترة الأربعينيات والخمسينيات يملك من القوة والنفوذ والتأثير ما يجعله قادرا علي مساعدة أم كلثوم ومساندتها والوقوف إلي جانبها.
ولم تكن أم كلثوم بحاجة مادية إلي مصطفي أمين, فقد كانت إمكاناتها المالية ـ بعد نجاحها المبكر ـ أقوي بكثير من إمكانات مصطفي أمين, ولكن أم كلثوم ربما كانت تعتمد علي مصطفي أمين في جوانب أخري استنادا إلي شخصيته القوية ومعرفته الواسعة والعميقة بالحياة الاجتماعية والسياسية, بحيث كان يستطيع أن يقدم لأم كلثوم المشورة الصحيحة في التعامل مع الحياة والمجتمع والناس.
ويبقي السؤال هو لماذا ظل زواج أم كلثوم بمصطفي أمين سرا رغم أنه استمر عشر سنوا, كما يقول ابن الشيخ خالد شقيق أم كلثوم؟ ربما كان السبب هو أن مصطفي أمين كان يخوض معارك عنيفة خلقت له عداوات كثيرة قبل ثورة يوليو وبعدها, وكانت أم كلثوم تحرص علي أن تكون بعيدة عن كل هذه الصراعات, فهي تريد أن تكون لمصر كلها وللعرب جميعا, وليست لحزب واحد أو جماعة واحدة, وأظن أن هذا السبب القوي كان كافيا ليجعل أم كلثوم تفضل أن يكون زواجها من مصطفي أمين سرا لا يعرفه إلا المقربون منها ومنه.
وقد كان حرص أم كلثوم علي أن تكون للأمة كلها حرصا يدل علي وطنيتها وذكائها وأمانتها, وهو حرص لم يفارق أم كلثوم طيلة حياتها, فقد كانت موضع الإجماع وكانت هي دائما مع الإجماع لأنها كانت تضع موهبتها في خدمة الوطنية العامة لا في خدمة السياسة, والاختلاف بين الوطنية والسياسة كبير, فالوطنية تجمع الناس أما السياسة, فكثيرا ما تفرقهم وتدفعهم إلي الاختلاف فيما بينهم,
وعلي العكس من أم كلثوم كان مصطفي أمين من رجال المعارك والصراعات, ولذلك كان له أعداء وأنصار أما أم كلثوم فكان الجميع من أنصارها وكان حبها من حب الوطن يملأ كل القلوب, وليس في زواج أم كلثوم من مصطفي أمين ما يسيء إليها أو يسيء إلي مصطفي أمين, فهو أمر طبيعي مهدت له ظروف كثيرة يمكن فهمها وتقديرها,
وعندما نتذكر هذا الزواج الآن ونخرج به من عالم النسيان, فنحن لا نفعل أكثر من أن نضع وردتين, إحداهما علي ذكري أم كلثوم والثانية علي ذكري مصطفي أمين, وبرغم أنني لم أكن يوما من تلاميذ مصطفي أمين ولا من أنصاره أو المتفقين معه في كل آرائه ومواقفه إلا أنني لا أملك إلا الاحترام له والاعتراف بفضله وموهبته والتقدير لجهده الكبير في خدمة مصر والصحافة المصرية.
0 تعليق على موضوع : أم كلثوم ومحمود الشريف.. قصة زواج سري بدأ بـ«عشوة» وانتهى بـ«جنازة حب»
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات