ولد المطرب والملحن المصري كارم محمود (1922ـــ 1995) بإحدى ضواحي مدينة دمنهور، وكان والده تاجراً معروفاً، اشتغل في أثناء المرحلة الابتدائية صبياً في محل «رفا» التجاري، واشتهر بين أقرانه بصوته الجميل.
التحق كارم محمود عام 1938 بمعهد الموسيقى العربية الذي كان يرأسه مصطفى رضا، عازف القانون ومستشار الإذاعة الموسيقي المقرَّب من الملك. نال كارم محمود دبلوم المعهد عام 1944، ولتفوقه، ألحقه مصطفى رضا بفرقة الأنغام الذهبية الإذاعية التي يرأسها ويقودها عبد الحميد توفيق زكي منشداً في كورال الفرقة. وبعد عام واحد، أسند إليه قائد الفرقة دور المغني الرئيس في غنائية «محلاها الدنيا»، أمام المطربة حياة محمد التي سبق وغنَّت لمحمد القصبجي في فيلم «ليلى بنت الصحراء» قصيدة «ليت للبراق عيناً»، قبل أن تشتهر هذه الأغنية بصوت أسمهان، فنجح نجاحاً طيباً، جعله يعيد غناءها بعد وفاة حياة محمد مع المطربة فايدة كامل، وهذه الغنائية من نظم عبد الفتاح عبد المقصود، وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وهي أول غنائية في تاريخ الغناء العربي يطبق فيها ملحنها صيغة «الهوموفوني» Homophony (تماثل صوتي). وفي هذه الفترة من حياته اتصل بالشيخ فؤاد محفوظ الملقّب بأمير الموشحة، وهو غير الموسيقي السوري فؤاد محفوظ، فلقنه أصول غناء الموشحات والأدوار، ليغدو بفضله من أبرع حفظة ومؤدي الغناء التقليدي التراثي.
رشحت الإذاعة المصرية كارم محمود ليغني ويلحن مطرباً معتمداً. ومنذ ذلك الحين أخذ صوته يصافح المستمعين من وراء ألحانه وألحان الأعلام. من أشهر أغنياته التي استحوذت على إعجاب الجماهير في تلك الفترة «أمانة عليك ياليل طول»، و«مشغول عليك مشغول». أسندت إليه الإذاعة، البطولة الغنائية في برنامج «راوية» البدوي تأليف عبد الفتاح مصطفى وألحان أحمد صدقي، الذي اشتهرت من أغانيه، أغنية «ويل جلبي ياويل جلبي».
أغرته السينما بالاشتغال فيها، مذ لمع اسمه جماهيرياً في العام 1946. وعلى الرغم من نجاحه كمطرب وملحن إلا أنه أخفق كممثل. أشهر الأفلام التي مثَّلها: «حضرة المحترم» مع زهرة العلا وإخراج عباس كامل، و«معليش يا زهر» مع شادية وإخراج هنري بركات، و«نور عيني» مع نعيمة عاكف وإخراج حسين فوزي، و«جزيرة الأحلام» مع علي الكسار وزمردة. وقد حققت أغاني أفلامه من مثل «عيني بترف»، و«عنابي»، و«يا ليالي ملاح» الشعبية، وأغنية «لوحدك ليه» الرومنسية، جماهيرية كبيرة.
اختارته دار الأوبرا المصرية لبطولة أوبريت «العشرة الطيبة» لسيد درويش بتوجيه من قيادة الثورة لإحياء تراث سيد درويش؛ لمواصفات صوته الذي يتطابق وطبقة التينور Tenor الصوتية في الغناء، ثم أسندت إليه بعد نجاحه، دور البطولة في أوبريت «ليلة من ألف ليلة» لمحمود بيرم التونسي التي لحنها أحمد صدقي. ثم أعاد تمثيلها وغنَّاها بعد ربع قرن على مسرح «محمد فريد» بنجاح كبير.
أراد كارم محمود أن يدعم نجاحه في الغناء بعيداً عن المسرح الغنائي والسينما، فقام بجولات إلى مختلف الأقطار العربية، فزار دمشق عام 1949، وغنّى على مسرح سينما دمشق، وفي العام نفسه أحيا عدداً من الحفلات في بيروت، توجه بعدها إلى بغداد محققاً النجاح تلو الآخر. وكانت آخر زياراته لدمشق في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1975، حيث لحّن وغنّى لحرب تشرين التحريرية قصيدة من شعر محمود دعبول.
تزوج كارم محمود، ورزق ببنت ثم بصبي، سمّاه محمود كارم محمود غدا فيما بعد سفيراً لمصر في عدد من الدول الأوربية والأمريكية. وكارم محمود فنان أخلاقي، ابتعد عن أجواء الفنانين الخاصة، بسبب تربيته المحافظة، والإيعاز من قبل المسؤولين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بمنع إذاعة أغانيه بسبب قرابته لأحد المسؤولين الكبار في زمن الملكية، وكان هذا من الأسباب التي جعلت المسيطرين على صناعة السينما والموسيقى يلوون أعناقهم عنه، كما أنه صرح للصحافة في ستينيات القرن الماضي، بأن محمد عبد الوهاب عمل بعد زوال الأسباب التي أدت إلى إقصائه، على إبعاده عن كل عمل يدعى للقيام به، مفضلاً عليه عبد الحليم حافظ وغيره.
اعتمد كارم محمود على ألحانه، وألحان أحمد صدقي، ومحمود الشريف، وعلى التراث والأغنية الشعبية الدارجة خاصة، وقد أهّلته أعماله التي كان للسينما والمسرح الغنائي والغنائيات الإذاعية نصيب كبير فيها، لأن يحتل مكانة مرموقة في عالم الغناء، حتى قيل إن الساحة الغنائية شغرت إلا من وجوده.
كانت آخر رحلاته الفنية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حلَّ ضيفاً على ابنه في سفارة مصر العربية، وهناك غنّى لعرب المهجر بإبداع مذكِّراً بأوطانهم وقيمهم. عمل قبل وفاته على إعادة تسجيل بعض أعماله القديمة بما يتفق وتقانات التسجيل الحديثة.
توفى كارم محمود تاركاً وراءه ثروة من الأغاني منها: «العيون السود»، و«على شط بحر الهوى»، و«على ورق الورد»، و«الهوى مكتوب علينا»، و«سمرا ياسمرا»، و«شقرا ياشقرا»، وديالوغ «يابسكلتة» مع المطربة شادية وغيرها كثير.
0 تعليق على موضوع : كارم محمود (1922ـــ 1995)
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات