تاريخ أم كلثوم / من الميلاد والنشأة والمسار الفني الى الوفاة

كوكب أم كلثوم فنانة قلما يجود الزمان بمثلها فقد جاءت إلى الدنيا يوم 31 ديسمبر عام 1898 بقرية طماي الزهايرة التي تبعد حوالي 2 كيلو متر عن مركز ومدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية ووالدها هو الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي منشد القصائد والتواشيح الدينية ومؤذن مسجد القرية ووالدتها فاطمة المليجي.

الليلة التي ولدت فيها أم كلثوم كانت من ليالي شهر رمضان وقتئذ وترك الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي زوجته فاطمة المليجي تعاني من الآم الوضع وذهب إلى المسجد لآداء صلاة العشاء والتراويح ثم الاعتكاف وقبيل الفجر بقليل أخذته سنة من النوم دون أن يشعر فرأى في المنام سيدة ترتدي ملابس بيضاء تقدمت منه ومدت يدها إليه بلفافة خضراء فتراجع في بداية الأمر من تناولها فلما أصرت وألحت عليه أخذها فوجد بداخلها شيئا له بريق يشبه لمبة البطارية وتملك الخوف الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي وسأل السيدة ذات الوشاح الأبيض عمن تكون وما سر هذا الشئ الموجود في اللفافة؟ فأجابته: أنها جوهرة وستكون وش السعد.. وهمت ذات الوشاح الأبيض بالانصراف فألح الشيخ إبراهيم من أجل أن يعرف من هى هذه السيدة ذات الوشاح الأبيض وأمام إصراره على معرفة شخصيتها أفصحت بقولها له : أنها أم كلثوم ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم اختفت من أمامه فاستيقظ بعدها مباشرة على دقات باب الجامع فلما فتح الباب وجد نفسه أمام أخيه الشيخ عبد النبى أبو السيد الذي أنبأه بقدوم مولودة صغيرة وجميلة عندئذ انحدرت الدموع من عيني الشيخ إبراهيم وتذكر الحلم الذي عاشه منذ لحظات وأصر على عدم الرجوع إلى المنزل إلا بعد صلاة الفجر حيث صعد إلى المئذنة ويقول الذين سمعوه يؤذن هذه الليلة (إن صوته كان أحلى من الكروان) وبعد الصلاة جلس الشيخ إبراهيم والد الطفلة المولودة يقرأ القرآن بين المصلين كعادته ولما طال غيابه بالمسجد ذهب إليه أخوه الثاني الشيخ علي حيث اعتقد أن الشيخ إبراهيم يرفض العودة إلى منزله فور علمه بالمولودة الأنثى وأن أخيه الشيخ عبد النبى يحاول إقناعه.

أستأذن الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي من المصلين وأنصرف مع أخويه عبد النبي وعلي وهو في الطريق معهما إلى المنزل حكى لهما قصة الرؤيا ولذا اختار الشيخ إبراهيم لمولودته الصغيرة اسم (أم كلثوم) وبالفعل كانت بداية السعد عليه فمنذ مولدها وكنوز الدنيا تفتحت بين يديه حيث ذاع صيته كمقرئ ومنشد خلال العام الأول والثاني من مولد أم كلثوم وازداد إيراده حتى أصبح في مقدوره أن يبني بيتا ملكا له بشارع (داير الناحية) بالقرية ويعيش فيه مع أسرته الصغيرة وولديه خالد وأم كلثوم وازداد تعلق الشيخ بالطفلة الوليدة..

أم كلثوم وهى في سن الخامسة من عمرها اكتشفت أمها موهبتها الصغيرة الوليدة حيث كانت أم كلثوم تحفظ بعض التواشيح التي كان يرددها والدها الشيخ إبراهيم وأخبرت الأم زوجها بموهبة الطفلة فطلب منها تشجيعها على الاستمرار وذات يوم تسلل الشيخ إبراهيم إلى منزله واختبأ في مكان قريب من وجود الطفلة أم كلثوم التي وقفت تقلده بالصوت والحركة وهى تردد بعض أجزاء من التواشيح التي حفظتها عنه.. عندئذ أحس الوالد أن في صوت طفلته شيئاً جديداً فيه عذوبة وحلاوة وكان ذلك إيذانا بمولد كوكب الشرق أم كلثوم وهي ماتزال طفلة صغيرة.

في عام 1919 زارت أم كلثوم القاهرة لأول مرة وذلك لإحياء إحدى ليالى الإسراء والمعراج فى قصر عز الدين يكن بحلوان وفي عام 1920 وفي السنبلاوين دعا التاجر علي أبو العينين الفنان زكريا أحمد لإحياء ليلة رمضانية وخلال تواجد زكريا أحمد في السنبلاوين سمع عن جمال صوت الطفلة أم كلثوم وعندما استمع إليها في بيت والدها بطماي الزهايرة أعجب بصوتها وتنبأ لها بمستقبل عظيم ونصح والدها برعاية ابنته الطفلة أم كلثوم والذهاب معها إلى القاهرة وبقى زكريا أحمد إلى جوار أم كلثوم مايربو على الثلاثين عاما يرعى موهبتها وكانت أول ماغنت له بعض الموشحات والقصائد التي غناها له من قبل الشيخ علي محمود ثم توالت ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم وكون زكريا أحمد مع الشاعر بيرم التونسي ثنائيا فنيا.

عام 1921 كانت الزيارة الثانية لكوكب الشرق أم كلثوم للقاهرة لإحياء أحد الأفراح وتعرضت للنشل فخاصمت القاهرة لمدة عامين وفى عام ١٩٢٢ وعلى محطة السنبلاوين كانت أم كلثوم مع والدها فلمحت الشيخ أبو العلا محمد فسلمت عليه وطلبت من والدها أن يذهب معهم إلى طماي الزهايرة وعندما استمع الشيخ أبو العلا محمد لصوت أم كلثوم تحمس لها وأصر على سفرها للقاهرة وفى عام ١٩٢٣ انتقلت إلى القاهرة ورعاها الشيخ أبو العلا وفى عام ١٩٢٤ التقت صبرى النجريدى ثم التقت أحمد رامى الذى لازمها طوال مسيرتها ثم محمد القصبجي وفي عام 1926 شكلت أم كلثوم أول تخت موسيقى لها عام 1926م.

أم كلثوم كانت أول صوت نسائي في افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934 وتعاقدت معها الإذاعة بعد ذلك على إحياء حفلين في الشهر يتم إذاعتهما من استديوهاتها مقابل أجر قدره خمسة وعشرون جنيهًا عن كل حفل وتغني في كل حفل وصلتين.. كل وصلة تستغرق نصف ساعة ثم ارتفع هذا الأجر عام 1936 فبلغ أربعين جنيهًا ثم زاد إلى خمسين جنيهًا على أن تستغرق كل وصلة أربعين دقيقة.

قدمت أم كلثوم أول حفل مذاع لها بمسرح دار الأوبرا في يوم 7 يناير عام 1937 وزادت في هذا الحفل من عدد أفراد العازفين بفرقتها وعندما توفى محمد العقاد عازف القانون حل محله في فرقة أم كلثوم الموسيقية عبد الحميد القضابي ثم إبراهيم العريان وبعد ذلك محمد عبده صالح كما حل محل محمود رحمي ضابط الإيقاع العازف إبراهيم عفيفي وأخذ كريم حلمي مكان عازف الكمان سامي الشوا.

كما أدخلت أم كلثوم آلتين لم تتواجدا من قبل في فرقتها وهما آلة الناي التي قام بالعزف عليها حسن فاضل ثم سيد سالم وآلة الفيولنسل التي قام بالعزف عليها محمود رمزي كما زادت على عازفي الكمان أنور منسي وأحمد الحفناوي وكان من بين عازفيها عبد المنعم الحريري وأحمد العريان ونجيب رزق الله ومحمود القصبجي كما كان يتناوب وظيفة الإيقاع مع إبراهيم عفيفي كل من سعيد الموجي وصالح الكراني.

أم كلثوم غنت لفلسطين والقدس قبل أن تضيع القدس وهى من أطلقت على القدس (قلب العروبة وضميرها) فقبل نكبة 1948 ذهبت أم كلثوم إلى فلسطين لتحيي حفلاتها وبدأتها من يافا في قاعة أبولو التي ازدانت واجهتها المركزية بتمثال لها ونشرت صحيفة فلسطين : أن يافا استعدت طيلة أسبوع لاستقبال كوكب الشرق أم كلثوم.

أم كلثوم غنت لأول مرة في القدس وحيفا عام 1929 وغنت في عامي 1931 و 1935 ونشرت جريدة الكرمل: أن أم كلثوم حازت على لقب كوكب الشرق عندما غنت في مقهى الشرق قصيدة أفديه إن حفظ الهوى وقد صرخت إحدى المتفرجات قائلة : أم كلثوم أنت كوكب الشرق .. ولأم كلثوم شارع فسيح يحمل اسمها في بيت المقدس رغم أنف الاحتلال

أم كلثوم غنت في حيفا ويافا والقدس متبرعة بجزء من الإيراد لمقاومة هجرة اليهود والانتداب الانجليزي قبل حدوث نكبة 1948 وظلت تغني للقدس وفلسطين بعد النكبة.

نذكر أن الفنان يحيى شاهين أسند إليه في عام 1939 دور ثانوي في فيلم دنانير بطولة كوكب الشرق أم كلثوم ولكن لم يكن هذا منتهى أمله أو غايته حتى فتحت له ليلة القدر أبوابها من حيث لا يدري وفى عام 1943 تأسست أول نقابة للموسيقيين برئاسة أم كلثوم وبقيت عشر سنوات على رأس النقابة وفي عام 1944 أتت البطولة الأولى ليحيى شاهين أمام أم كلثوم وذلك بعد انسحاب الفنان حسين صدقي من بطولة فيلم سلامة فقد اقترحت أم كلثوم على المخرج توجو مزراحي اسم الفنان الشاب الهادئ قوي البنيان اليافع يحيى شاهين ليقف أمامها ويكون البطل في الفيلم.. لم يصدق يحيى شاهين ما سمع إلى أن أتى المخرج له بعقد الفيلم ليوقعه مقابل 150 جنيها عن بطولة الفيلم وفي أيام التصوير كانت من عادة أم كلثوم تناول الغداء مع فريق العمل لكي تذوب الفوارق ويتم التقارب أكثر أمام الكاميرا وفي أثناء الغذاء سألت أم كلثوم الفنان الشاب يحيى شاهين عن قيمة عقده مع المخرج؟ فأخبرها أن أجره (150) جنيها فإذا بها تتوقف عن الطعام وسألت المخرج: كم دفعت ليحيى شاهين عن دوره؟ ففهم المخرج مقصد أم كلثوم وأجابها بأنه حصل على 150 جنيها فردت عليه: وكم كان أجر حسين صدقي؟ فأجابها المخرج: 660 جنيها وهنا انفعلت أم كلثوم وقالت للمخرج: ولماذا هذه التفرقة؟ ألم يكن الدور هو نفس الدور وبنفس المساحة التي كانت سوف يؤديها حسين صدقي؟ فقال لها المخرج : حسين صدقي نجما كبيرا له اسمه ولكن يحيي شاهين مازال هاويا لا يعرفه أحد فكيف أعطيه نفس الأجر؟ فقالت أم كلثوم وهى منفعلة ومهددة: إن لم تعط يحيى شاهين نفس الأجر لن أكمل تصوير الفيلم.

لم يكن أمام المخرج سوى الإذعان لأمرها وحصل يحيي شاهين بالفعل على نفس أجر النجم الكبير حسين صدقي وفيلم سلامة قصة علي أحمد باكثير وبطولة أم كلثوم ويحيى شاهين وزوز نبيل وعبد الوارث عسر وفؤاد شفيق ورفيعة الشال وإخراج توجو مزراحي وهو مصري من أصل إيطالي ومن مواليد 2 يونيو عام 1901 بالإسكندرية.

في فيلم سلامة غنت أم كلثوم مجموعة أغنيات جميعها كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد عدا أغنية قالوا أحب القس سلامة فهى كلمات علي أحمد باكثير ولحن رياض السنباطي والأغنيات التي غنتها أم كلثوم في الفيلم هى: سلام الله على الحاضرين وعيني ياعيني وغني لي شوي شوي وفي نور محياك الهنا وقول لي ولاتخبيش يازين وبرضاك ياخالقي.

بعد ثورة يوليو 1952 تم إقصاء كل من كان له علاقة بفترة حكم الملك فاروق وكانت أم كلثوم من أوائل الأشخاص الذين تم إقصاؤهم وقد منعت أغانيها من الإذاعة مع عزلها من منصب نقيب الموسيقيين لأنها غنت للملك فاروق ومنحها وسام الكمال وأنها من العصر البائد وعلى الرغم من أن أم كلثوم قد غنت للجيش في الفالوجا أثناء حرب فلسطين أغنية غلبت أصالح في روحي إلا أن هذا لم يغفر لها وكان قرار منع أم كلثوم قرارًا فرديًّا من الضباط المسئول عن الإذاعة لذا قررت أم كلثوم إعتزال الغناء والعودة إلى قريتها طماي الزهايرة.

أخبر الكاتب الصحفي مصطفى أمين والضابط أحمد شفيق البطل جمال عبد الناصر بقرار منع أم كلثوم من الإذاعة فذهب جمال عبد الناصر بصحبة نخبة من الضباط الأحرار إلى منزل أم كلثوم وأخبروها أن قرار منعها لم يصدر من مجلس قيادة الثورة ثم قال جمال عبد الناصر لأم كلثوم : إن كنا نمنعك من الغناء بحجة أنك من العصر البائد فلنمنع الأهرام بحجة أنها من العصر البائد وبعد ذلك إلغاء قرار المنع الذي أصدر الضابط المسئول عن الإذاعة.

عادت أم كلثوم للغناء بأغنية مصر التي في خاطري كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم يوم 30 أكتوبر عام 1952 في دار سينما ريفولي وخصص إيراد الحفل لمساعدة أسر شهداء ومصابي الحرب والأبطال الذين حاربوا في حرب فلسطين وكانت هذه أول مرة تصدح فيها كوكب الشرق بعد قيام الثورة وذلك في تلك الدار التي كانت قد احترقت في حريق القاهرة في 26 يناير 1952 ثم تم ترميمها وكان الافتتاح في هذه الليلة والتي حضرها اللواء محمد نجيب قائد الثورة وجموع غفيرة من أهالي الشهداء ومشوهي الحرب.

حينما ظهرت أم كلثوم على المسرح تم استقبالها بالهتاف والتصفيق ثم بدأت أم كلثوم الغناء برائعتها جددت حبك ليه فأسرت القلوب بغنائها الشجي وصوتها الساحر وبعد انتهاء الوصلة الأولى نزلت أم كلثوم إلى الصالة ومعها محمد القصبجي حيث صافحا محمد نجيب الذي قدم لهما كوبين من الشربات وعادت إلى المسرح وانطلقت تغني مصر تتحدث عن نفسها في وصلتها الثانية وتبعتها بـصوت الوطن وهتف الجميع من قلوبهم مشتركين مع أم كلثوم في إلقاء نشيدها الحماسي والذي بذلت فيه مجهوداً فنياً شاقاً عوضها عنه الرئيس اللواء محمد نجيب فاستدعاها عقب إسدال الستار ليشكرها ويهنئها على نجاحها وكانت تلك المرة الأولى التي تلقي فيها أم كلثوم أغنيتين في وصلة واحدة.

بعد الوصلة الثانية صعد محمد نجيب إلى المسرح ليلقي كلمته الموجهة إلى أسر الشهداء ومشوهي الحرب فسأله أم كلثوم عن الأغنية التي يفضلها فأسر إليها بأنه يرغب بالاستماع إلى ولد الهدى.

بدأت أم كلثوم وصلتها الغنائية الأخيرة فبدأت الفرقة الموسيقية تعزف المقدمة الموسيقية لولد الهدى فتعالت أصوات الجمهور تطالب برباعيات الخيام فرضخت أم كلثوم لرغبتهم وغنت الرباعيات بدلاً من ولد الهدى ووعدت أم كلثوم محمد نجيب بأن تغني له ولد الهدى في حفل ديسمبر القادم فقال لها بعد أن شكرها لتطوعها بالغناء في هذا الحفل: الشعب هو الذي يحكم ونحن نلبي رغباته.

أثناء العدوان الثلاثي الذي قامت به إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956 أعلنت إسرائيل أنها ستضرب استوديو الإذاعة فى مصر ضمن غاراتها وسعى الموسيقار كمال الطويل في ذلك الوقت للمُشاركة في أي عمل فني يكون له دورًا في هذه الفترة فاتصل بالشاعر صلاح جاهين فأخبره بأنه انتهى من كتابة أغنية بعنوان (والله زمان يا سلاحي) ثم أعطى الكلمات للموسيقار كمال الطويل وعلى الفور بدأ يلحنها على البيانو الموجودة في منزله وبعد أن انتهى من تلحينها اتصل بالشاعر صلاح جاهين وأخبره بأنه انتهى من وضع لحن للأغنية فذهب الشاعر صلاح جاهين إلى منزل الموسيقار كمال الطويل وتم الاتصال بأم كلثوم فطلبت حضورهما إلى فيلاتها بالزمالك .

ذهب الموسيقار كمال الطويل بصحبة الشاعر صلاح جاهين إلى أم كلثوم وفوجئا بوجود العازفين في انتظارهما للبروفات وأنها حفظت الأغنية على ضوء الشموع وتستعد لتسجيل الأغنية في أقرب وقت فناشدها أحد المسئولين بعدم التوجه إلى إلى مقر الإذاعة بالشريفين حيث إنه مُهدد بالقصف من طائرات العدو ولكن أم كلثوم رفضت هذه المناشدة وذهبت إلى الإذاعة بالشريفين وسجلت (والله زمان ياسلاحي) كلمات الشاعر صلاح جاهين ولحن كمال الطويل وأذاعتها الإذاعة المصرية فألهبت الحماسة فى قلوب المصريين .

في عام 1960 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر القرار الجمهوري رقم 143 باتخاذ (والله زمان ياسلاحي) السلام الوطني وفي عام 1974 أصدر الرئيس السادات الذي تولى الحكم خلفا للزعيم جمال عبد الناصر الذي توفى يوم 28 سبتمبر عام 1970 القرار الجمهوري رقم 1854 الذي تضمن الاكتفاء بعزف الجزء الأول فقط من (والله زمان ياسلاحي) ليكون السلام الجمهوري وفي عام 1975 صدر القرار الجمهوري رقم 1158 بالعودة إلى عزف السلام الجمهوري بالكامل كما كان منذ عام 1960 وظل حتى عام 1979 م.

أم كلثوم كانت على علاقة طيبة بالرئيس جمال عبد الناصر وغنت له وللوطن أغنيات كثيرة وأذكر أن جمال عبد الناصر دعم الفن وعشق مصر والأمة العربية ولم يهتم بمظاهر الدنيا وذات مرة كان خالد جمال عبد الناصر وأخوته بصحبة والدهم أثناء زيارته لأم كلثوم في منزلها واندهش خالد وأخوته من الفارق الشاسع بين منزل أم كلثوم ومنزلهم في منشية البكري فقال خالد لوالده : لماذا لا نعيش في منزل كهذا !؟

فرد عليه والده الزعيم جمال عبد الناصر في هدوء: يا خَـلود أم كلثوم مطربة وفنانة معروفة لكن أنا مجرد موظف بدرجة رئيس وكل واحد لازم يعيش على قده.

كانت أم كلثوم تجلس بجوار المهندس محمد دسوقي ابن أختها في السيارة وهى في طريقها للمسرح وكانت أم كلثوم مستغرقة في تلاوة آيات القرآن الكريم فسألها محمد: لماذا هذا القلق؟ هل نسيت أنك أم كلثوم؟ لو غنيت أي شىء فإن الجمهور ملهوف إليك .. فألتفت له في حسم وقالت: بلاش يامحمد أوعى تقول كده تاني إن الجمهور يقبل منك ماتعطيه لأنك تتفانى معه وإذا خطر ببال إي إنسان أن يثق في نفسه لدرجة الغرور فلا يعطي كل ماعنده بإتقان فإن الجمهور لايرحمه.

لحقت المشاكل الصحية بأم كلثوم كل بضع سنوات منذ الثلاثينيات وصارت طريحة الفراش نتيجة مشاكل فى الكبد والمرارة وأوصى الأطباء فى عام 1937 بالعلاج فى أحد البلدان الذى يحتوى على المياه المعدنية وبسبب استمرار مشاكلها المرضية فكرت فى 1946 جديا فى التقاعد الكلى والاعتزال حيث عانت من مشاكل فى الغدة الدرقية فبجانب أعراض المرض كانت شديدة الخوف على صوتها وتأثيرات العلاج الجانبية مما أدى إلى دخولها فى حالة اكتئاب شديد وفى بداية 1971 تدهورت حالة أم كلثوم الصحية بشدة ففى شهر مارس في نفس العام أصيبت مرارتها بالتهاب شديد أدى إلى تأجيل جميع حفلاتها شهورا وتطور الأمر إلى إصابتها القاسية فى الكلى مما اضطرها إلى إلغاء الجدول بكامله وفى شهر يناير عام 1975 تعرضت لهجوم شديد فى الكلية وأفردت جريدة الأهرام ملحقا يوميا لمتابعة حالتها وكانت الإذاعة المصرية منذ 22 يناير عام 1975 تستهل نشراتها بأخبار مرض كوكب الشرق حتى تُطمئن محبيها حتى أن بعض المعجبين أرادوا التبرع بالدم آنذاك لأم كلثوم ولكن القدر قال كلمته ففى تمام الساعة الرابعة والنصف عصر يوم الاثنين 3 فبراير 1975 توفيت أم كلثوم وبعد ذلك كان الضم لإذاعات صوت العرب والبرنامج العام والشرق الأوسط وأذيع نبأ وفاة كوكب الشرق أم كلثوم حيث أذاع يوسف السباعى وزير الثقافة فى تمام السادسة مساء نبأ وفاة أم كلثوم ووقف المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب وقتئذ خلال الجلسة دقيقة حداد.

في صباح يوم الثلاثاء 4 فبراير 1975 نشرت جريدة الأخبار فى المانشيت الرئيسي: ماتت أم كلثوم .. الجنازة غدا الأربعاء الساعة 11 صباحا من مسجد عمر مكرم ونشرت الأهرام: وفاة أم كلثوم بعد صراع مرير استمر 100 ساعة ونشرت جريدة المساء في مانشيتها الرئيسي في الصفحة الأولى: وداعا كوكب الشرق كما نشرت الصحف العربية خبر وفاة أم كلثوم فى الصفحات الأولى وكتبت إحدى الصحف العربية: لقد فقدت مصر هرمها الرابع وكتبت صحيفة الأورو الفرنسية: أم كلثوم مثلت للعرب ما مثلته إديث بياف المغنية الفرنسية المشهورة إلا أن عدد معجبيها أضعاف عدد معجبى الأخيرة وكتب بيجل كاربيير فى صحيفة الفيجارو الفرنسية: برغم أن الأوروبيين لم يفهموا الكلمات إلا أنها وصلت إلى روحهم مباشرة وجاء فى صحيفة التايمز البريطانية: أم كلثوم من رموز الوجدان العربى الخالدة وقالت صحيفة زيت دويتش سايتونج الألمانية: مشاعر العرب اهتزت من المحيط إلى الخليج.

بعد يومين من وفاة أم كلثوم بمستشفى المعادى فى القاهرة تم تشييع جثمانها فى جنازة شعبية ورسمية مهيبة وكانت أضخم الجنازات إذ بلغ عدد المشيعين أكثر من 4 مليون شخص وتعد من أعظم 8 جنازات فى العالم في تلك الفترة ويوم الخميس 6 نوفمبر 1975 كتبت جريدة الأهرام في صفحتها الأولى: الجماهير تحمل الجثمان 3 ساعات وتذهب للصلاة عليه في مسجد الحسين.

كوكب الشرق أم كلثوم أقامت حفلات في الدول العربية والأجنبية وخصصت إيرادات حفلاتها لصالح المجهود الحربي بعد نكسة 1967 وكان لديها أكثر من جواز سفر دبلوماسي تقديرا لفنها العظيم وحصلت على أوسمة ونياشين وتكريمات لم يحصل عليها أي فنان من قبل وكانت تجمع الأسر المصرية والعربية أمام أجهزة الراديو ثم شاشات التليفزيون في الخميس الأول من كل شهر لمتابعة حفلها الشهري كما قدمت العديد من الشعراء العرب حيث غنت من أشعارهم وفي عام 2000 صنفت الأطلال ضمن قائمة أفضل 100 عمل فني عالمي لــ 100 عام.

رحمة الله على روح كوكب الشرق أم كلثوم فقد رحلت بجسدها عن الحياة الدنيا ولكن فنها الأصيل مازال معنا وسيظل مابقيت الحياة.

المصدر: ديوان العرب