بحث وتوثيق : كمال عزمي
تظل انت عمري أكثر أغنية لأم كلثوم حظيت بالاهتمام من الجماهيروترقب مولدها ملايين العرب وذلك بالمقارنة بما سبقها وتلاها من أغنيات ..كانت اللقاء الكبير بين أم كلثوم وعبد الوهاب بعد انتظار دام ثلاثين سنة وأكثر ..وبعد أن أحاطاه العملاقان بالسرية التامة والتحفظ والكتمان ظهر ذلك العمل الفني في السادس من فبراير 1964.
الحفل الأول لهذه الأغنية رويت عنه حكايات عديدة ونسجت حوله الأساطير ومازال عشاق أم كلثوم ينتظرون سماع التسجيل الكامل لذلك الحفل الذي لا يذاع في الإذاعة وتسجيله المتداول بين الهواة إما ناقص أو بجودة رديئة للغاية .
لقاء العملاقين هذا استحق عمل بحث عنه أقدمه هنا للجميع بمناسبة احتفالنا بذكرى كوكب الشرق التي مازال فنها يستهوي الصغير والكبير بالرغم من رحيلها عن عالمنا في الثالث من فبراير 1975 .
ما قبل اللقاء..
لهذا اللقاء قصة طويلة تبدأ من خمسة أعوام سبقت ظهوره للجماهير ..فذات يوم دق جرس التليفون في بيت عبد الوهاب ..وكان المتحدث أحمد شفيق كامل.
بدأ أحمد شفيق كامل يقرأ كلمات أغنية جديدة لعبد الوهاب ليبدي رأيه فيها ، وأحس عبد الوهاب بكلمات الأغنية وطلب من أحمد شفيق كامل أن يأتيه بالكلمات كاملة لأنه قرر تلحينها لنفسه .
في ذلك الوقت كان عبد الوهاب يفكر في عمل مشترك بينه وبين أم كلثوم وعرض فكرته على أحمد الحفناوي عازف الكمان في فرقة أم كلثوم ورجاه أن يجس نبضها في ذلك الموضوع ..فعاد إليه بعد أيام يعلن الموافقة المبدئية لأم كلثوم على هذا المشروع .
وحدث أن أصيب عبد الوهاب في الحادث المشهور حينما اعتدى عليه " مجنون عبد الوهاب " ونقل إلى المستشفى ..و زارته أم كلثوم وقتها وكان عبد الحليم موجوداً وفتح الكلام في الموضوع القديم – موضوع تلحين عبد الوهاب أغنية لأم كلثوم – وأبدت أم كلثوم استعدادها ..وعندما خرج عبد الوهاب من المستشفى كانت فكرة التعاون الفني بينهما قد استقرت في ذهن الاثنين وأخذ عبد الحليم يلح بها على رأس عبد الوهاب بين الحين والآخر وبعدها عرض عبد الوهاب مجموعة من الأغاني على أم كلثوم ومنها أغنية أحمد شفيق كامل التي أعجبت بكلماتها فاختارتها .
في منزل أم كلثوم اجتمع كل من أم كلثوم وعبد الوهاب وأحمد شفيق كامل لقراءة الأغنية من جديد ..واعترضت أم كلثوم على بعض الكلمات ..وكانت الأغنية تبدأ بـ ...
" شوقوني عينيك لأيامي اللي راحوا "
فغيرتها إلى
" رجعوني عينيك لأيامي اللى راحوا "
وفي مقطع آخر ..
" من حنان قلبي اللي بيشابي لحنانك "
إلى
" من حنان قلبي اللي طال شوقه لحنانك "
وقد اعترضت أم كلثوم على كلمة بيشابي ..لأنها كلمة عامية تستعمل في مصر فقط ..مع أنها تغني لكل الملايين العربية ، ودافع أحمد شفيق كامل عن الكلمة بحرارة وقال أنها تشبيه لعواطف الطفل الذي يريد أن " يطول " شيئاً طالت لهفته عليه ..ولكن أم كلثوم أصرت على أن اللغة العربية مليئة بالكلمات السهلة التي تؤدي إلى نفس المعنى ..!
أما عبد الوهاب فقد اعترض على الكلمات التالية
"قد إيه من عمري قبلك راح وعدى
راح كأن العمر قبلك ليلة واحدة
ليلة من دمعي ومن نار الجراح "
فاستبدلها الشاعر بـ ..
" قد إيه من عمري قبلك راح وعدى
ياحبيبي
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا داق في الدنيا غير طعم الجراح "
وبدأ عبد الوهاب يلحن الأغنية ..وعبد الوهاب من النوع المتردد ( الموسوس ) فهو يستطيع أن يفرض شخصيته على أي مطرب يلحن له ..ولكن أم كلثوم فنانة من نوع آخر ..وليس من السهل فرض شخصية الملحن عليها ..وظل عبد الوهاب أكثر من عام يلحن في الأغنية ويغير ويبدل في اللحن رغبة في الوصول إلى أفضل النتائج ..وفجأة توقف عن إكمال التلحين نتيجة لخوفه واحساسه دائماً بعدم التكامل في اللحن ..وقد استمر هذا الخوف والتردد مدة طويلة حتى ظهر في الصورة كمال الطويل الذي كان قد لحن مطلع الأغنية وأسمعها لأم كلثوم فأعجبها اللحن وطلبت منه أن يستمر..لأنها اعتقدت أن عبد الوهاب صرف نظره عن تلحين الأغنية ..وحينما أحس عبد الوهاب بذلك أخذته غيرة الفنان على فنه ..وعرف كمال الطويل أن عبد الوهاب قد نشط إلى تلحين الأغنية من جديد فتنازل..
وبدأ العمل
وبدأ عبد الوهاب يعيش فترة جديدة من حياته مع هذا اللحن ..فترة عاشها على أعصابه ..كان عبد الوهاب يحس أن هذا اللحن بالنسبة له كأنه أول عمل فني يعرضه على الجمهور..وكان كلما خطر له خاطر في جملة موسيقية، أو فكرة في التعديل أو الإضافة لما بين يديه يترك كل أصدقائه ويختلي بنفسه ثم يعود ليسمعهم ما أدخله على اللحن ويأخذ رأيهم ..وكان يعتز جداً بآراء عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأحمد فؤاد حسن ..!
تسربت بعض أخبار هذا العمل للصحافة فجعلت الكل متشوقاً له والجميع يسأل عنه وحدث في احتفال 23 يوليو 1963 أن سأل الرئيس جمال عبد الناصر أم كلثوم وعبد الوهاب : أين هي الأغنية التي نقرأ في الصحف أن أم كلثوم ستغنيها ويلحنها عبد الوهاب؟
وقالت أم كلثوم :نحن أنجزنا الكثير! وقال عبد الوهاب : وأنا أضع اللمسات الأخيرة !
وقبل أن يسافر عبد الوهاب إلى لندن في صيف 1963 سجل الأغنية بصوته وأرسلها لأم كلثوم لتحفظها ..ولكن في لندن وضع للحن لمساته الأخيرة ..
وعاد عبد الوهاب من لندن ..وقبل أن يجتمع بالأوركسترا ..كان قد اجتمع مع أم كلثوم عشرين مرة..ثم بدأ يجتمع مع كل مجموعة من الأوركسترا وحدها..مجموعة (التشيللو) ..ومجموعة الكمان..كما يختلي بمحمد عبده صالح عازف القانون ..وكذلك أحمد الحفناوي عازف الكمان..وكان موعد الاجتماع ومكانه مجهولين للصحفيين ..كانت أم كلثوم حريصة على إخفاء كل خبر عن اللحن كعادتها مع كل الذين لحنوا لها ..أما عبد الوهاب فكان أيضاً حريصاً على ذلك لأنه كان يخشى أن يحدث أي خلاف بينه وبين أم كلثوم ينتهي إلى فشل المشروع..كان لا يريد أن يقول شيئاً عن اللحن والبروفات إلا بعد أن يتأكد أن كل شيء يمضي في الطريق المرسوم ..
اللمسات الأخيرة ..
واقترح عبد الوهاب إضافة آلة الجيتار الكهربائي إلى الفرقة ..فرفضت أم كلثوم رفضاً قاطعاً على أساس أن فرقتها من التخت الشرقي ..وأن جمهورها لم يعتد سماع أي آلة غربية في فرقتها ..فلم يعاند عبد الوهاب..لكنه بذكائه حضر إليها من الغد بصحبة عبد الفتاح خيري وطلب منه أن يسمعها مقطع اللحن المقترح عزفه بالجيتار الكهربائي ..وحينئذ فقط وافقت أم كلثوم .
واطمأن عبد الوهاب على لون اللحن مع المجموعات البارزة في الفرقة ..ثم بدأ يجمعهم ..وبدأت البروفات التي استغرقت شهراً كاملاً ..وكانت كل بروفة تستمر لمدة أربع ساعات يومياً ..
واقترب عام 1963 من نهايته ..وكان عبد الوهاب يريد أن يطمئن على اللحن ! وفي ليلة رأس السنة كان عبد الوهاب قد وجه الدعوة إلى عدد من أصدقائه الفنانين ليستقبلوا معه فجر العام الجديد ، وكانت المفاجأة الكبرى لفريد الأطرش وليلى فوزي وجلال معوض وصلاح ذو الفقار وأحمد فؤاد حسن أن غنى لهم عبد الوهاب لحنه الجديد بنفسه ..
ومن صيحات الإعجاب التي تعالت من الجميع عرف عبد الوهاب قيمة العمل الكبير الذي سيفاجئ به الجمهور في الموسم الجديد ..
تسجيل الأستوديو ..
تسجيل الأستوديو
وفي يوم الأربعاء 29 يناير 1964 الموافق 14 رمضان كان عبد الوهاب بصحبة أم كلثوم وفرقتها الموسيقية في مبني الإذاعة لتسجيل الأغنية الجديدة ..بدأ التسجيل في العاشرة صباحاً وانتهى في العاشرة مساءً ..
الأخيرة قبل التسجيل
كان القلق والتوتر يبدوان على عبد الوهاب طيلة الوقت وكان كالأب الذي ينتظر نتيجة الولادة ..كان يروح في الاستوديو ويغدو ويدندن ويضبط نغمة شاردة فتعيدها الفرقة ..ويتفاهم مع أم كلثوم على جملة موسيقية ، وينقلان نتيجة التفاهم للفرقة الموسيقية ، وعبد الوهاب لا يستقر ولا يهدأ..ونظراته حائرة .
كانت أم كلثوم صائمة ..والفرقة كلها صائمة .. وعندما حان موعد الإفطار رفضت أم كلثوم أن يذهب أحد من الفرقة الموسيقية لتناول الافطار في منزله ..لأنها لم تنته بعد من تسجيل الكوبليه الأخير ..وأرسلت تطلب كميات هائلة من الكباب ..وجلست الفرقة تتناول طعامها ..بينما جلست هي ومحمد عبده صالح يتناولان طعام الإفطار الذي أرسل إليها من منزلها ..وكان معهما محمد عبد الوهاب ..شارداً في ملكوت اللحن !
بعد ساعة من الإفطار عادت أم كلثوم لتسجيل المقطع الأخير من الأغنية ! وكانت هذه آخر مرة تغني فيها أم كلثوم إنت عمري مع فرقتها قبل يوم السادس من فبراير 1964 .
الليلة الكبرى ..لقاء السحاب..
المكان : مسرح حديقة الأزبكية
الزمان : مساء الخميس 6 فبراير 1964 فجر الجمعة
80 مليون عربي كانوا يلتفون حول أجهزة الراديو هذا المساء ينتظرون في شوق ولهفة المولود الجديد ..
وبعد منتصف الليل بأربعين دقيقة ..بدأت الفرقة الموسيقية عزف مقدمة الأغنية لينطلق صوت أم كلثوم بعد دقائق عبر الأثير يعلن وصول المولود الجديد ..
كان يوم الخميس هذا يوماً حافلاً بالنسبة للثلاثة الذين قدموا هذا العمل الضخم بعد طول انتظار..
أم كلثوم أجرت بروفة مع عبد الوهاب حتى الظهر ..ثم نامت هي وانطلق هو بسيارته إلى المقابر حيث زار قبر أمه ..وهذه هي عادة عبد الوهاب عندما يقدم على عمل يهتم به . وفي الثالثة بعد الظهر عاد عبد الوهاب إلى المنزل ..ونام حتى المساء ..
اتجهت كل الأنظار في الصالة إلى البنوار رقم (9) شمال عندما دخلت فيه السيدة نهلة القدسي ..كانت العيون تنتظر أن تراها مع الموسيقار عبد الوهاب.. ولكن عبد الوهاب لم يكن مع زوجته في هذا الوقت.. فقد ذهبت هي مع بعض أقاربها وظل هو في البيت..يستمع الى الحفل من جهاز راديو صغير..
وبدأت الحفلة.. وأخذ حسين شاش يقدم الحفل للجمهور عبر الأثير ..وانفرج الستار عن أم كلثوم التي كانت ترتدي فستاناً من الشيفون الأخضر الزيتوني ، تحلي صدره فصوص من الكريستال. .واختفى البروش الماسي من فوق صدر أم كلثوم في هذه الحفلة.
وانطلقت السيارة تحمل عبد الوهاب الى مسرح الأزبكية.
وصلت السيارة الى المسرح ودخل عبد الوهاب من باب الكواليس وعندها انتهت الأغنية ودخلت أم كلثوم الى الكواليس .. فهنأها عبد الوهاب.. ثم دخلت الى حجرتها.. وأسرع هو الى خشبة المسرح فاستبقى الموسيقيين وبدأ- من خلف الستار- يجري معهم البروفات الأخيرة .. وقد ركز عبد الوهاب اهتمامه في إجراء بروفات على المقدمة الموسيقية بالذات وعلى تغييرالمقدمة الموسيقية لكوبليه "الليالي الحلوة والشوق والمحبة" والتي كانت قد سجلت في الأستوديو بشكل آخر.
وجلست كوكب الشرق في حجرتها تتلو لنفسها بعض آيات القرآن... وفي الثانية عشرة والنصف قامت وتوجهت الى خشبة المسرح حيث اشتركت مع الموسيقار عبد الوهاب في البروفات الأخيرة...
وفي الساعة الثانية عشرة و40 دقيقة رفع الستار عن ام كلثوم ..بعدما قدمها جلال معوض لمستمعيها عبر الأثير .. بينما كان الموسيقار عبد الوهاب خلف الديكور الذي يحيط بأم كلثوم وفرقتها.. لم يكن يفصل عبد الوهاب عن أم كلثوم سوى ستة أمتار على الأكثر..
ومع بداية المقدمة الموسيقية بدأ عبد الوهاب يسمع من خلف الكواليس وقلبه يخفق.. كانت يداه لا تكفان عن الحركة وشفتاه ترددان آيات القرآن..
وصفق الناس للمقدمة الموسيقية.. صفقوا لدرجة انهم قاطعوها منذ بدايتها فاضطرت الفرقة الموسيقية الى اعادتها وأخذ عبد الوهاب نفساً طويلاً وهو يرفع رأسه الى أعلى شاكراً الله ..
وأعيدت المقدمة الموسيقية بعد ذلك مرتين.. والناس تصفق .. وعبد الوهاب واقف خلف الديكور.. وقلبه يهدأ رويداً رويداً والابتسامة تأخذ طريقها الى وجهه.. والقلق يغادر مسرح الأزبكية كله.. وبدأت أم كلثوم تغني.. والناس تتمايل طرباً .. وعبد الوهاب في مكانه في الظلام يتمايل هو الآخر.. لقد بكى عبد الوهاب .. لم يستطع منع دموعه من أن تنفلت وهو يسمع الناس تستزيد أم كلثوم.. حتى أعادت المذهب 4 مرات..
لقد استغرقت المقدمة الموسيقية 9 دقائق.. استرد عبد الوهاب خلالها كثيراً من هدوئه.. ثم جاء المذهب وصفق الناس مقاطعين أكثر من مرة.. فازداد هدوء عبد الوهاب...
وبعد 40 دقيقة من بدء الأغنية كان عبد الوهاب سعيداً جداً.. فأسرع يرتدي البالطو والطربوش ليكمل سماع الأغنية في البيت..
وأسرع عبد الوهاب الى حجرته ليستمع الى بقية الأغنية من المذياع .. وانتهت الأغنية عند الساعة الثانية وخمسين دقيقة .. وبعد دقائق دق جرس التليفون ..
كانت أم كلثوم تتحدث من مسرح الأزبكية وطلبت من عبد الوهاب أن يتوجه فوراً الى المسرح.. وسألها عبد الوهاب مندهشاً: ( ليه ؟ ) .. وأجابته ( بس تعالى .. عايزاك تحيي الناس ) وفهم عبد الوهاب أن كوكب الشرق تريده أن يظهر معها على المسرح ليحي الجمهور بعد انتهاء الحفلة .. فاعتذر لها بلباقة ..
ودق جرس التليفون مرة أخرى.. كان فريد الأطرش يدعوه للانضمام إلى ضيوفه من الفنانين الذين قضوا سهرتهم مع لحنه وصوت أم كلثوم..
واتجه عبد الوهاب الى بيت فريد الأطرش.. كانت الساعة قد بلغت الثالثة والنصف..كان موجوداً ..الشاعر كامل الشناوي وصلاح ذو الفقار وجلال معوض الذي وصل إلى بيت فريد بعد تقديمه إنت عمري ،إضافة إلى أحمد فراج و ليلى فوزي وسعيد أبو بكر ثم انضمت إليهم نهلة القدسي بعد عودتها من مسرح الأزبكية .
الكل أبدى إعحابه باللحن والأداء والكلمات ..وظل الجميع يتسامرون..حتى الفجر ..وكانت الساعة تقترب من الخامسة والنصف عندما عاد عبد الوهاب إلى بيته وهو يقول :
إنني أريد رأي الناس ..الناس ..الجمهور في كل مكان .
الموسيقار يطبع قبلة على يد الست تهنئة بنجاح أنت عمري
انتهى الحفل بعد الساعة الرابعة صباح الجمعة وكانت صحف القاهرة قد صدرت طبعاتها الأولى التى لم تستطع التعليق على الحفل إلا في طبعاتها الثالثة وباقتضاب ..أما صحف يوم السبت فقد أسهبت في الحديث عن الحفل وعن لقاء السحاب ..اللقاء الأول الذي جمع صوت أم كلثوم بألحان عبد الوهاب ...
صحيفة أخبار اليوم كتبت :
انت عمري ..أطول وأجمل أغنية عربية
أم كلثوم ..غيرت نتائج مباريات الدوري
أخبار اليوم مع عبد الوهاب وانت عمري دقيقة بدقيقة
جليل البنداري يكتب : من هو رسول السحاب للسحاب؟
مصطفى أمين كتب في عموده:
لم يحدث أن بقي شعب بأكمله ساهراً حتى الصباح ! يضع آذانه على أجهزة الراديو ، كأنه يتوقع أن يسمع نبأً هائلاً! الأزواج عادوا إلى بيوتهم مبكرين.
الأطفال طلب آباؤهم إليهم أن يغلقوا أفواههم ولا ينبسون !
كل شيء قد سكت وصمت لأن أم كلثوم ستغني أغنية من لحن عبد الوهاب ! وبعد لحظات بدأت أم كلثوم تغني ، فإذا بملايين الرؤوس تتمايل، وملايين الأقدام تدق على الأرض مع نغمات اللحن وعاشت هذه الملايين ثلاث ساعات في نشوة وهناء ، وكأنها ترقص في فرح كبير..وقد كان هذا فرحاً حقيقياً فإنه زواج بين صوت أم كلثوم ولحن عبد الوهاب! وهذا الزفاف الذي انتظره الناس أكثر من ثلاثين سنة هو الحدث الفني الكبير ! وبعد مئات السنين سوف تحسد الأجيال المقبلة الذين عاشوا في هذا العصر ، ورأوا كل مافيه من معجزات، فقد احتشدت فيه الأحداث بحيث أصبحنا لا نعرف هل نحن نعيش في التاريخ الكبير، أم نحن هو هذا التاريخ الكبير!
أما علي أمين فكتب في عموده (فكرة) بجريدة أخبار اليوم:
لقد سمعت هذا اللحن الساحر في لندن في أكتوبر الماضي ! عزفه لي عبد الوهاب عدة مرات وأنا جالس في حجرة نومه بفندق مايفير . وكتبت يومها أقول أنني أحسست وأنا أسمعه أن الملايين ستردده مع أم كلثوم!
كانت أم كلثوم وهي تغني هذا اللحن الخالد، تحوله من نغمات إلى مشاهد حية تراها العيون وتغني معها القلوب!
لقد سمعت أمس غناء الملائكة...ولم أسمع غناء البشر!
ولا حدود لقدرة الملائكة!
أما جريدة الأهرام فقد كانت عناوينها :
لقاء مع الملايين
عبد الوهاب يبكي وهو يستمع إلى لحنه
الأغنية تعطل المرور في شبرا ساعتين أمس
30 سيجارة يحرقها رامي مع اللحن
دمشق تلغي النشرة وتذيع الأغنية
المصدر منتدى سماعي
0 تعليق على موضوع : انت عمري ....لقاء السحاب وميلاد أنت عمري
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات