لو لم يفعل الشيخ زكريا أحمد سوى اهتمامه المبكر بالطفلة أم كلثوم التي صارت بعد ذلك كوكب الشرق لكفاه كي يظل على ألسنة صناع الموسيقى العربية إلى الأبد!
ذهب الشيخ زكريا أحمد إلى أم كلثوم مبكرا جدا، إلى حيث تسكن الفتاة المغمورة في "طماي الزهايرة" حيث لا يفطن لموهبتها أحد فاستمع إليها وقدم لها لحنا ثم أقنعها بالمجئ إلى القاهرة كي تكون قريبة من منابع الفن والشهرة، وأجهد الشيخ نفسه شهورا في تنظيم حفلات لها ولتعريف الجمهور القاهري بها في أماكن مثل السيدة زينب والحسين والموسكي وغيرها من الأماكن.
ينقل لنا الكاتب الصحفي صبري أبو المجد في كتابه "زكريا أحمد" الصادر ضمن سلسلة أعلام العرب في يوليو 1963، تفاصيل اللقاء الأول بين زكريا وأم كلثوم على لسان الأول فيقول في صفحة 234 من الكتاب: "كان ذلك في عام 1919، كنت قد ذهبت إلى السنبلاوين بصحبة المرحوم الشيخ أبو العلاء محمد المقرئ والمغني الشهير لإحياء ليلة من ليالي رمضان، وكان وجوه القوم يحتفلون بهذا الشهر المبارك احتفالا كبيرا، ويعدون له من وسائل السحر اللطيف ما يحيي القلوب وينعش النفوس".
ويضيف زكريا أحمد: "لم يسعدني الحظ في هذه الليلة برؤية هذه الفتاة الصغيرة ولم تمر إلا أيام معدودة، ودعيت مرة أخرى إلى السهر، وفي هذه الليلة قابلتها، وكانت بصحبة والدها وشقيقها، واستمعوا إلي واستمعت إليها، ففرحت بها وتنبأت لها بالمستقبل الكبير، ونشأت بيننا صداقة وطيدة دفعتني إلى أن أهدي إليها موشحا وطقطوقة".
دعى زكريا أحمد الشابة أم كلثوم إلى القاهرة في حفل يضم مجموعة مختارة من أبناء العائلات ورجال الفن وصادفت أم كلثوم النجاح الأول لها في حياتها وفي هذه الليلة ذاتها تعرفت لأول مرة على القصبجي والدكتور محمد صبري الذي اشتهر بحبه للتلحين، وكانت هذه الحفلة الأولى هي السبب في أن تبدأ علاقة أم كلثوم بالحاج صديق أحمد متعهد الحفلات المشهور حينها، إذ تعهد الأخير بتنظيم حفلات لها في فترات الاستراحة بين فصول روايات الأستاذ علي الكسار وكان يقوم بتلحين المقطوعات لها الأساتذة أبو العلاء محمد والدكتور صبري ومحمد القصبجي وهكذا منح الشيخ زكريا أحمد الفرصة كاملة أمام الفتاة التي جاءت لتوها من القرية وفتح لها الباب على مصراعيه ودلها على الطريق الصحيح بل ودلها عمن يسير معها- أو بالأحرى بها- إليه.
وفي عام 1931 بدأ الشيخ زكريا أحمد- الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 14 فبراير من عام 1961- التلحين بنفسه للسيدة أم كلثوم، ولحن لها تسعة أدوار أوّلها "هو ده يخلص من الله" سنة 1931، وحتى دور "عادت ليالي الهنا" سنة 1939. كما لحَّن لأم كلثوم الكثير من أغاني أفلامها مثل: الورد جميل، غني لي شوي شوي، ساجعات الطيور، قولي لطيفك. كما لحن لها في الأربعينيات عدداً من الأغاني الكلاسيكية الطويلة التي صارت علامات فارقة في تاريخها مثل الآهات، أنا في انتظارك، الأمل، حبيبي يسعد أوقاته، أهل الهوى، الحلم. واختلف معها سنة 1947 حتى عام 1960 عندما لحن لها آخر روائعه هو صحيح الهوى غلاب.
يذكر أن الشيخ زكريا أحمد الذي ولد 6 يناير 1896 يعتبر أحد عمالقة الموسيقى العربية، والده حافظ للقرآن وهاوٍ لسماع التواشيح مما أكسبه الحس الموسيقي وأُمه من أصل تركي. وزكريا من روّاد فن الطقطوقة حيث ارتقى به شوطاً عظيماً، كما كانت ألحانه كلها غارقة في العروبة والأصالة. وأُعيد تقديم أعماله المسرحية سنة 1970 إحياءً لذكرى هذا العملاق.
في عام 1919 بدأ زكريا رحلته كملحن بعد أن اكتملت لديه معرفة الموسيقى وتفاصيلها، وقدَّمه الشيخ علي محمود والشيخ الحريري إلى إحدى شركات الأسطوانات. في عام 1924 بدأ التلحين للمسرح الغنائي، ولحَّن لمعظم الفِرَق الشهيرة مثل: فرقة علي الكسَّار، وفرقة نجيب الريحاني، وزكي عكاشة، ومنيرة المهدية. وبلغ عدد المسرحيات 65 مسرحية لحَّن فيها أكثر من 500 لحن.
0 تعليق على موضوع : كيف قابلت أم كلثوم لأول مرة بقلم زكريا أحمد - وتفاصيل اللقاء
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات